بيان الانطلاق هو البيان الختامي الصادر عن المعتصمين المضربين عن الطعام بمنزل الأستاذ عبد الوهاب حسين بتاريخ : 17 ـ 28 / صفر / 1430هـ الموافق : 13 ـ 24 / فبراير ـ شباط / 2009م

مقدمة
قال الله تعالى " لقد ارسلنا رسلنا بالبينات ……ليقوم الناس بالقسط ) الحديد 25
لقد بعث الله سبحانه وتعالى الرسل وأنزل والأنبياء العظام ، الكتب والشرائع السماوية بهدف إقامة العدالة والقسط في المجتمع البشري ، وقد حمل أهل البيت ( عليهم السلام ) والعلماء الصالحون أمانة الحقوق والعدالة الاجتماعية ، وقدموا لأجلها التضحيات الكبيرة إرضاء لله سبحانه وتعالى . وتأتي الحركة المطلبية للشعب البحريني وجهاده السلمي العظيم من أجل الإصلاح الحقوقي والسياسي وإقرار العدالة الاجتماعية وتجسيدها امتدادا للأهداف الإلهية التي حملتها القيادات الربانية عبر تاريخها الطويل .

بيان الانطلاق
للمعتصمين المضربين عن الطعام بمنزل الأستاذ عبد الوهاب حسين
(بتاريخ : 17 ـ 28 / صفر / 1430هـ الموافق : 13 ـ 24 / فبراير ـ شباط / 2009م)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
والصلات والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين
قال الله تعالى: { إن أريدُ إلا الإصلاحَ ما استطعتُ وما توفيقي إلا باللهِ عليه توكلتُ وإليه أنيب } ( هود: 88 ) .
لقد ابتلي هذا الوطن العزيز بنظام شموليٍ يقوم على تغييب شعبه ، وسرقة خيراته ، وإهدار مقدراته ، وتجاوز إرادة أبنائه ، وانتهاك حقوقهم ، وخنق حرياتهم ، ومطاردة الأحرار منهم ، هذا الشعب المستضعف الذي يهفو للعيش في ظل العزة والكرامة والحرية ويأبى ـ كل الإباء ـ أن يعيش العبودية إلا لخالقه العظيم( عز وجل ) .
وفي كل مرة يشعر النظام بجدّية الشعب وإصراره على المطالبة بحقوقه المغتصبة ، يعمد إلى تحكيم القبضة الأمنية ، وتغييب لغة العقل ، وإغلاق كل أبواب الحوار الحقيقي الجاد ؛ فيطلق لأجهزته الأمنية العنان في الذهاب إلى أبعد حدود القمع ، من أجل إسكات الحركة المطلبية الشعبية ، غيرَ معتبرٍ بما سبق ، ولا متعلِّم مما مضى ؛ متجاهلا أن هنا شعباً لا تسكته سياط الظلم ، ولا تثنيه عن المطالبة بحقوقه صنوف الطغيان والتعسُّف .
وها هو النظام يكرّر نفس أخطائه السابقة التي دفعت بالوطن وأهله إلى المنزلقات الأمنية الخطيرة ، والتي كان آخرها ما وقع في فترة التسعينيات ، حيث تعامل النظام حينها مع الحركة المطلبية السلمية بكل وحشية وعنف ؛ فأدخل الوطن في معاناة صعبة ، تمثلت في أزمة عميقة متعددة الجوانب ، دامت لسنوات ، لم يكن خيار النظام فيها غير الأسلوب الأمني المقيت ؛ ففتح المعتقلات وأسقط الشهداء والجرحى ، مما تسبّب في تداعيات كبيرة على الشعب ، لازالت جراحاتها لم تندمل بعد ، وآثارها لم تمحَ من الذاكرة والواقع ؛ حيث لا يزال الجلادون والمعذبون مطلقي اليد تحت حماية القانون ، دون محاسبة على ما اقترفوه من جرائم بحق الوطن وأهله .
وعندما وضعت الأزمة أوزارها بعد تضحيات جسام ، ونشاط مكثف للمعارضة في الداخل والخارج ، ولاحت بشائر الانفراج فيما سمى بـ” المشروع الإصلاحي” ، قرّر هذا الشعب العظيم الصابر ، أن يعضَّ على جراحه ، ويثبت للعالم كله أنه شعب عظيم حضاري مسالم ، قد تحرّك للمطالبة بحقوقه بعد أن كوته الأرض من تحته ، وألجأته السياط إلى رفع صوته ، فقرّر أن يستجيب لدعوة الإصلاح التي طالما سبق الآخرين في التأكيد عليها ، والدعوة إليها ، ودفع من أجلها غالي الأثمان حين كان النظام يصمُّ عنها الآذان ، ويختار بدلها العنف والطغيان .
ولقد دخل الوطن فيما يشبه العرس الشعبي الكبير ؛ استبشاراً بالوعود التي قطعت ، وفرحاً بالعهود التي كانت ، فتجاوز آلامه المريرة كلها ، وأثبت بأن مصلحة الوطن هي التي كانت شغله الشاغل وهدفه المنشود ، فاستقبل الذين كانوا جزءً من معاناته بما لم يستقلبهم به أحد ، وصوّت للميثاق مستجيباً لدعاة الإصلاح من علمائه ورموزه الذين قادوا تلك المرحلة الصعبة وعلى رأسهم سماحة العلامة الشيخ عبد الأمير الجمري ( رحمه الله ) بكل جدارة وكفاءة ، فكانت نتيجة التصويت أعظم مما تصوّره ذلك النظام الذي لم يعرف الثقة في شعبه في أي يوم من الأيام ، وكان ” الميثاق ” .
ولكن تلك الفرحة لم تدم طويلاً ، حيث كشف النظام عن وجهه الغادر حين انقلب سريعاً على وعوده ، ونكث عهوده ، وانقلب على الوثيقة التي كان يستند إليها في شرعيته ( وهي دستور 1973م ) وحاك على مقاساته ” دستور المنحة ” ( وهو دستور 2002م ) الذي لا يلبّي طموحات الشعب ، ولا يضمن له حقوقه ، ولا يتناسب مع المرحلة المتقدمة التي وصل إليها ، فكانت تلك بداية الانتكاسة والدخول في متاهات الفراغ الدستوري ، والتراجعات عن الإصلاح ، والتأزيم الأمني الذي محا صورة الإصلاح وحقيقته تماما .
وبرغم كل ما أمنّه النظام لنفسه من ضمانات في ذلك الدستور المنحة ، عمد إلى إعطاء المجلس المعيّن صلاحيات تشريعية مخالفة لميثاق العمل الوطني ، تفوق في حقيقة الأمر الصلاحيات التشريعية للمجلس المنتخب ، وقام بتفريغ العملية الانتخابية من أية مصداقية ، بما رسمه من دوائر انتخابية ظالمة ، لا توصل إلى التمثيل الصادق الصحيح ، مما جعل التغيير من داخل البرلمان الصوري القائم على دستور المنحة ، أمرا مستحيلاً ، وهذا ما أثبته الواقعُ ، وعكسته تصريحاتُ المشاركين فيه .
وإنه لمن المفارقات العجيبة ، أن تكثر سرقات الأراضي ، والتجنيس السياسي الممنهج ، وتصدر القوانين الظالمة المقيّدة لحريات الشعب وحراكه في ظل هذا البرلمان ، فكان قانون الصحافة والجمعيات السياسية والتجمُّعات والإرهاب وغيرها ، التي تهدف كلها لشلِّ حركة الأصوات المعارضة للنظام ، وأن يسقط الشهيد العزيز علي جاسم بيد مرتزقة النظام ، وتمتلئ السجون والمعتقلات بأبناء هذا الوطن الشرفاء ، مما أدى إلى دخول البلاد في نفق التدهور والأزمات .
وما فاقم التأزيم الأمني ، وكاد أن يأخذ البلاد إلى منزلق اللاعودة ، هو الاعتقال الظالم المتهوّر لرمزين كبيرين من رموز الشعب ، هما فضيلة الأستاذ المجاهد حسن المشيمع ، وفضيلة الشيخ محمد حبيب المقداد ؛ ظناً من السلطة ، بأن تلك الحملة الأمنية الشرسة ـ بكل اعتقالاتها ومسرحياتها المفبركة الباهتة وعذاباتها ـ يمكن أن تؤدي إلى إسكات صوت الشعب ، إلا أن رعاية الله ( سبحانه وتعالى ) لهذا الشعب وعنايته به ، أدت إلى انقلاب السحر على الساحر ، فعادت كل تلك الممارسات على النظام بما لم يكن يتوقعه ؛ من إجماع شعبي شامل على رفض سياساته وطريقة تعاطيه مع شعبه ، والمطالبة بضرورة السير باتجاه الحلحلة الواقعية للأمور ، والإصلاح الحقيقي للأوضاع ، هذا الإجماع الذي تجلّى بأوضح صورة في تضامن الشعب أفراداً ومؤسسات ، مع الاحتجاج السلمي الحضاري على التدهور العام للأوضاع في البلد ، والذي تمثل في الاعتصام والإضراب عن الطعام بمنزل الأستاذ عبد الوهاب حسين .
إننا ومن خلال تكليفنا الشرعي ومسؤوليتنا الوطنية ، وإخلاصاً منا لدماء الشهداء ، وتضحيات المعتقلين والمعَذَّبين ، وانتصاراً لعطاءات هذا الشعب ، وتثميناً لتضحياته الكبيرة ، نجد بأنه لا يصح أن يُسكتَ أبداً عن كل هذه الفظائع التي يتعرّض لها شعبنا ووطننا ، وأنه لابد من القيام بوظيفة الصد للتدهور والتراجعات والسعي للتصحيح والإصلاح ؛ لتعود قاطرةُ الوطنِ إلى سُكّتِها الصحيحة ، التي تجنّبه المنزلقات الأمنية ، والتداعيات الخطيرة ، مهما كلّفَنا القيامُ بذلك من تضحيات . وإننا نجد بأن السبيل إلى الصد وتحقيق الإصلاح ، هو تصعيد التحرك الشعبي السلمي المنظم والفاعل ، ولقد وطّنا أنفسَنا على التصدي والتضحية ، ونحن نعلم بأنه لا قدرة لنا على النهوض بهذه المسؤولية الضخمة والنجاح فيها ، بدون توفيق من الله سبحانه وتعالى وتسديده ، ودعم أبناء شعبنا ومساندتهم .
وقد أثبتت التجربة وأدرك الجميع ، بأن الحلول الترقيعية ، والمعالجات الشكلية ، ليست السبيل الصحيح للتعاطي مع المشكلات القائمة ، وحلحلة الملفات والقضايا الساخنة ، وأن المجاملة والمساومة في قضايا الشعب وحقوقه ، لن تعود على الجميع ، إلا بالمزيد من التراجعات والأزمات الخطيرة ، فالحلول الجذرية الواقعية هي وحدها التي يمكن أن يُستند إليها في بناء الوطن والنهوض بالإنسان .
ولقد أثبتت التجارب المريرة السابقة ، التي تجرّعها الوطن وأهله ، بأنه لا يمكن أن ينعم هذا الوطن العزيز بالأمن والاستقرار ، إلا بالمساواة في الحقوق والواجبات ، وكان الأمن للجميع ، وتمَّ الاعتراف بكافة الحقوق الطبيعية لهذا الشعب المظلوم ، وتكاملت الأدوار بين الحكومة والشعب في صياغة حاضره ومستقبله .
ونؤكد في هذا المقطع من البيان : بأننا إنما قمنا بمسؤولية التصدي ، لأننا وجدنا فراغا يجب أن يملأ ، وقد صبرنا طويلا نراقب وندرس ونقيم ونشاور العلماء حول تكليفنا الشرعي على ضوء ما هو موجود بالفعل ، حتى انتهينا إلى نتيجة قطعية مفادها : أن براءة ذمتنا أمام الله سبحانه وتعالى لا تكون إلا بهذا التصدي ، ونحن كبقية أبناء هذا الشعب ، نسعى للقيام بواجباتنا الدينية والوطنية المتعينة ، ولا نرجو من أحد سوى الله عز وجل جزاء ولا شكورا ، ولا نتطلع لمنصب أو موقع أو شهرة ، ولا ننافس أحدا على شيء من حطام الدنيا وزخارفها الفانية . ونرى بأن المسؤولية في غاية الضخامة ، ونريد أن تتكامل جهودنا ومساعينا مع بقية المخلصين من أبناء هذا الشعب ، ونحن على استعداد تام لأن نكون جنودا لكل من يسد هذا الفراغ ممن له الحق ويتحمل هذه المسؤولية بكفاءة وفاعلية .
ومن هذا المنطلق ومن حرصنا الشديد على مصلحة هذا الوطن وأهله فإننا لنؤكد على ما يلي :
أولاً : لقد فقد هذا النظام شرعيته منذ أن انقلب على الوثيقة القانونية التي تعطيه الحق القانوني في ممارسة صلاحيات الحكم ، وذلك عبر انقلابه المشئوم على دستور عام 1973م ، وميثاق العمل الوطني ؛ فلم تعد هناك وثيقة قانونية يصح للنظام أن يستند إليها في شرعية حكمه وإلزام الشعب بها ، وأننا نعيش الآن فراغاً دستورياً وقانونياً لا يمكن حلّه وإزالة كافة تداعياته وتبعاته إلا بسن دستور جديد يحفظ للشعب كافة حقوقه ، ويصون الحقوق والواجبات بين الحاكم والمحكوم على أساس من العدل والإنصاف ، وأنه لا قيمة مطلقاً لدستور المنحة الذي سنّه النظام بإرادةٍ منفردة ، ولم يعد الميثاق بعد الانقلاب عليه من قبل السلطة ملزما لأبناء الشعب .
وإن هذه المسألة لتشكِّل محورَ الحل لكافة المسائل والقضايا الأخرى ، وإذا ما تم العمل بها فهي الضمانةُ للانتقال بالوطن من حكم مطلق مستبد قائم على القبلية والتمييز الطائفي والفئوي ، إلى نظام دستوري قائم على أساس العدالة والمساواة بين المواطنين وضمان الحقوق والحريات .
ثانياً : نعتبر بأن قضية التجنيس السياسي ـ بالإضافة إلى التمييز الطائفي في التعليم والتوظيف والخدمات ـ هي لون من ألوان التطهير الطائفي ، وأنه لخيانة في حق الوطن يمارسها النظامُ ضد أبناء هذا الشعب المظلوم ؛ من أجل الإبادة ، وليؤمِّن بالأكثرية المستوردة من المستوطنين تغييب صوت المعارضة والسيطرة المطلقة على السلطة ومقدّرات الوطن وخيراته ويستأثر بها .
إن وطننا الحبيب المحدود في رقعته الجغرافية ، وموارده وثرواته ، والذي يعجُّ بالآلاف من أبنائه العاطلين ، ويعاني من خلل واضح في بنيته التحتية ونقص كبير في الخدمات ، لا يمكن أن يحتمل أبداً استيراد كل هذه الآلاف المؤلفة من المستوطنين الغرباء .
فهاهم أبناء هذا الوطن يلمسون ويرون بأم أعينهم التداعيات الخطيرة لهذا التجنيس السياسي الممنهج : في الاقتصاد والثقافة والتعليم والصحة والخدمات الأخرى والوضع الاجتماعي وغيرها الكثير ، وكلها نتيجة توطين الآلاف من البعيدين عن ثقافة هذا الشعب وعاداته وتقاليده الأصيلة ، وقد جلبهم النظام بدوافع سياسية غير مشروعة ، ولا صلة لذلك أبدا بالدوافع الإنسانية والتنموية ، فنحن لا نعترض على أصل التجنيس وفق القانون ، وقد طالبنا بمنح الجنسية لمن يستحقها ، وحل مشكلة البدون ، نظرا لكونها قضية إنسانية ، وتأتي وفق القانون .
ثالثاً : يشكّل التمييز الطائفي الذي يمارسه النظام بشكل فاضح صارخ ، جريمة أخرى تضاف إلى جرائمه بحق الشعب والوطن وتهديداً جدّياً لمصلحته وأمنه . والذي يزيد الأمر سوء وبشاعة أن ذلك التمييز الطائفي البشع لم يقتصر على جانب معيّن ، بل صار هو السمة العامة لسلوكيات النظام تجاه الشريحة الأكبر من شعبه ، فها هو التمييز في الحريات الدينية ، والمنح والبعثات الدراسية ، والوظائف العليا وفرص العمل ، والخدمات الإسكانية والتنمية المناطقية ، وفي التعاطي الأمني والقانوني مع من يتهمهم النظام في قضايا أمنية ، وفي التجنيس ، والدوائر الانتخابية ، والظهور في الإعلام حيث حرمان طائفة من أن يكون لها صوت ومساحة في الإعلان الرسمي للدولة وكذلك في المناهج الدراسية ، وغير ذلك مما أصبح سمة عامة لسلوكيات النظام ومخططاته وبرامجه القائمة على التمييز الطائفي المقيت .
إننا نقدّر بأن ظلم النظام قد طال جميع أبناء الشعب بدون استثناء ، فجميع المواطنين محرومون من حقوقهم الطبيعة الأساسية في صناعة القرار ، وحرية التعبير ، والثروة والخدمات وغيرها ، ولكن ذلك لا ينفي وجود التمييز الطائفي ، فهو واقع معاش وحقيقة تدعمها الأرقام . مع التأكيد بأن التمييز الذي يمارسه النظام ليس نابعاً من وحي الشعور الديني ، فإن الدين لبريء من أن يجيز للحاكم أن يميّز بين المحكومين على هذا الأساس الطائفي المقيت ، وإنما هو نابع من الدافع السياسي والمصالح الضيقة للفئة الحاكمة ، فهي تخطب ودَّ طائفة سياسيا ، على حساب تهميش طائفة أخرى وعزلها عن كل مواقع التأثير ، لتنفرد بعد ذلك بالسلطة وصناعة القرار، وتنقضّ على ثروات الوطن ومقدراته وتستأثر بها دون أبناء الشعب ، وذلك من خلال التشطير الطائفي وغيره .
رابعاً : لم يكن الخيار الأمني في أي وقت من الأوقات وبأي حال من الأحوال سبيلاً صحيحاً لعلاج أزمات الوطن ولا لإعادة الهدوء والاستقرار إليه ، ولن يكون كذلك ، ولقد جرّب النظام مراراً هذا الخيار المشئوم ولم يحقق من خلاله أية مكاسب تُذكر، حتى في الفترة التي ذهب فيها إلى استخدام أبشع أساليب القمع والإرهاب ، والتي تسبّبت في امتلاء السجون بالآلاف من أبناء هذا الشعب المظلوم وسقوط العشرات من الشهداء الأبرار، وخلّفت جراحات عميقة غائرة في جسد الوطن وروحه .
ولقد كان على هذا النظام أن يتعلّم من أخطائه السابقة وتجاربه البائسة الماضية ولكن غطرسته وغروره وضيق أفقه تجعله يغلّب مصلحته الخاصة الموهومة على مصلحة الشعب والوطن .
ونرى بأن لا سبيل إلى علاج هذا الخلل الفظيع ، إلا بتحقيق مطالب الشعب العادلة ، وتفهم حقه في العيش الكريم ، وتقييد الأجهزة الأمنية بقانون عادل يحفظ للإنسان كرامته ، ولدور العبادة حرمتها ، وللشعائر قداستها ، وللعلماء والرموز الشعبية موقعيتها ، وللنشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان حقهم في العمل ، وأن يقف الجميع بين يدي القانون العادل سواء .
خامساً : إننا وفي الوقت الذي نتمسّك فيه بثقافة الحوار ونؤمن به كوسيلة حضارية من وسائل التفاهم ، وأداة ناجعة من أدوات التوصُّل إلى حلحلة الأمور بين الشعوب وحكوماتها ، فإننا نرفض الحوار الذي يكون فيه الشعب هو الطرف الأضعف الذي يتلقى إملاءات السلطة بلغة فوقية ، حيث لا ترى السلطة له وجوداً يجب أن يحترم ، ولا تقدر حقوقه الطبيعة ، وترفض التنازل له من أجل الصالح العام ، وذلك تغليباً لنزواتها ومصالحها وشهيتها المنفتحة على السلطة المطلقة والاستئثار الكامل بالثروة ، ونتمسّك بالحوار الذي تتوفر فيه مقوّمات الواقعية والجدّية وفرص النجاح المستدامة .
وبناء على ذلك فإن أية مبادرة للحوار تنطلق من الخلفية التي لا تُحفظ فيها للمحاوِر من أبناء الشعب حقه وكرامته ، ولا تراعي مطالب الشعب المُحقة العادلة ، فإنها مرفوضة لدينا رفضاً قاطعاً ، ونرى بأن الدخول فيها إضرار بالشعب وحقوقه المشروعة العادلة .

ونداؤنا إلى كافة الجماهير الوفية من أبناء هذا الشعب الصابر الوفي هو :
( 1 ) : إن هذه المرحلة الخطيرة لتفرض على كافة فئات الشعب وأطيافه ، أفراده ومؤسساته ، أن يؤسسوا لمرحلة جديدة تقوم على : وحدة الكلمة ، والانسجام ، ورصّ الصفوف ، والتنسيق ، والتلاقي ، والتمسك بالعمل المشترك : الإسلامي والوطني ، فلم يعد بالإمكان أبداً القبول بثقافة التعصب والتشتيت والإقصاء ، ففي ذلك إضعاف للجميع ، وتشتيت للطاقات الخلاّقة للشعب ، وتقوية للنظام الظالم الذي يضطهد الجميع .
ولا نعني بالوحدة هنا إلغاءَ الوجودات والقناعات وتغييب الرأي الآخر ؛ وإنما هي الوحدة التي تقوم على تفهم الآخر ، وتنوّع الأدوار وتكاملها ، والعمل على ضوء المشتركات ، وعدم إضعاف الآخرين ، والحذر من إضاعة البوصلة وتحويل الصراع إلى غير وجهته .
ومن هنا فإننا لنؤكد على ضرورة الخطاب الوحدوي وآليات التنسيق ، وتجنّب كل ما من شأنه إثارة الفرقة والشتات ، وأنَّ هذه مسؤولية شرعية وواجبٌ وطنيٌ بامتياز ، يجب علينا جميعاً أن نتمسّك به ، ولا يصح التفريط فيه أبداً ، خصوصاً في المرحلة الراهنة العصيبة التي يمرّ بها الشعب المظلوم والوطن العزيز بمخاطر جمة .
( 2 ) : نؤكد على الدور المحوري المنظم للجماهير ، ونرى بأنه السبيل الوحيد بعد الله سبحانه وتعالى في ظل الوضع الراهن إلى الإصلاح الحقيقي وتحقيق المطالب الوطنية العادلة ، فقد ثبت بالتجربة عجز المشاركة في مؤسسات السلطة عن التغيير والإصلاح ، ولم يبق خيار سوى الرجوع إلى الجماهير ، وهذا لا يلغي التحرك عبر الآليات الأخرى ، ولا يعد بديلا عنها ، وإنما يكملها ويعزز دورها . فنحن نؤكد على ضرورة حضور الجماهير المنظم : نساء ورجالا في كافة ساحات العمل ، والمساهمة الجادّة في المسيرة الوطنية والحركة المطلبية وصياغة حاضرها ومستقبلها بالرأي والفعل والتقييم والتقويم ؛ فحضور الجماهير برأينا هو الضمانة الوحيدة لديمومة الحركة المطلبية واستمرارها وتطويرها ونجاحها في تحقيق أهدافها ، بدون إلغاء أهمية الآليات والأساليب الأخرى .
( 3 ) : ندعم ونحثُّ جميع فئات الشعب العزيز على مواصلة الحركة المطلبية ، وممارسة كافة صور المطالبة المشروعة والاحتجاجات السلمية ، ونوصي بالعمل على تهذيبها وتشذيبها وتطويرها لتكون فاعلة وحضارية ، ونربأ بهم من أن يختاروا أي أسلوب لا يتوافق مع الضوابط الشرعية ، ولا يخدم أهدافنا المحقة ومطالبنا العادلة ، أو يؤدي إلى تشويه صورتها الناصعة ، وكلنا ثقة بأنهم سيُذهِلون الجميع بما سوف يجسّدونه بعبقريتهم الفذة من أساليب حضارية تجمع بين الحكمة والسلمية والفاعلية .
( 4 ) : نؤكد على ضرورة مساهمة علماء الدين والخطباء في الحركة المطلبية الشعبية ، وأن يقوموا بدور التثقيف والإرشاد والتوجيه للجماهير؛ فمن شأن ذلك أن يعطي قوة دافعة وفاعلية للحركة ، ويحافظ على سلامتها في الفكر والممارسة . وإننا لنحفظ بصدق وإخلاص مكانة الرموز العلمائية الكبيرة ، وسوف نعمل على التواصل معهم ، ونثمن دعمهم ومساندتهم لهذا التحرك وتسديده بالنصح والإرشاد ، وأن يكونوا معنا ومع غيرنا على بعد واحد .
( 5 ) : ندعو جماهيرنا العزيزة الوفية في كافة مناطق الوطن العزيز إلى الاستعانة بالدعاء لاسيما الدعاء الجماعي لاستمطار اللطف الإلهي ، وتوظيف الفن والأدب ، مثل : الشعر والمسرح والأناشيد وغيرها في خدمة الحركة المطلبية ، وتشكيل فرق شعبية تطوّعية لتنظيم العمل الجماهيري والإشراف عليه من أجل المزيد من التنظيم والتنسيق والفاعلية ، ورفد العمل الإسلامي والوطني بجهودها البنّاءة الخيّرة ، ولتظهر الحركة المطلبية الشعبية بمظهر حضاري مشرق ، ولنبتعد عن حالة الارتجال والفوضى في حركتنا المطلبية الجماهيرية .
( 6 ) : يجب أن تكون الشعارات دقيقة وحكيمة بحيث تعبِّر عن مطالبنا العادلة وأهدافنا المشروعة خير تعبير ، وأن يتم تجنّب تلك الشعارات التي تحرف بوصلة الصراع إلى غير وجهته ، ولا تخدم الحركة المطلبية السلمية ، أو التي يمكن أن يستغلها الآخرون في تشويه وجه الحركة المطلبية الناصع في الرأي العام في الداخل والخارج .

أما مطالبنا التي نؤكد عليها كمطالب أساسية ، والتي نرى أنه من دونها لن يكون هناك أي حل واقعي وفاعل ، فهي التالي :
( 1 ) : صياغة دستور جديد يتسم بالشرعية الشعبية من خلال هيئة تأسيسية منتخبة لا يكون للمجنسين فيها أي دور ، يحفظ التعاليم الدينية ولا يتجاوزها ، ويضمن تداول السلطة ، واستقلالية السلطات الثلاث ( التشريعية والتنفيذية والقضائية ) وسلطة تشريعية منبثقة عن نظام انتخابي عادل تمثل الشعب تمثيلا حقيقيا ، ونظاما تعدديا قائما على حرية العمل الحزبي ، وإصلاح القضاء وضمان حياديته ، وصيانة كافة الحقوق الطبيعية للمواطنين . مع التأكيد على أن السلطة القائمة ليست قدر هذا الشعب ، فالسلطة يجب أن تعبر عن إرادة الشعب وتخدم مصالحه ، ومن حق الشعب أن يختار نظامه السياسي ويغير حكومته .
( 2 ) : ضمان حرية العقيدة وممارسة الشعائر الدينية واستقلالية المؤسسات الدينية ، ومكافحة الفساد الأخلاقي .
( 3 ) : إطلاق الحريات وضمان كافة الحقوق ، وذلك بتعديل التشريعات والقوانين ، وإصلاح المؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية ، وحل المؤسسات الأمنية الاستثنائية ، مثل : جهاز الأمن الوطني والقوات الخاصة ، وإيجاد الآليات الفاعلة للرقابة والتصحيح وجبر الضرر .
( 4 ) : إيقاف التجنيس السياسي الممنهج ( التوطين ) وإلغاء جميع ما ترتب من آثار على استخدام الصلاحيات الاستثنائية في منح الجنسية خارج المتطلبات التي نص عليها القانون ، ثم تسليم ملف المجنسين بعد حل البرلمان في عام 1975م للسلطة التشريعية المنتخبة المشكلة بعد حل المسألة الدستورية .
( 5 ) : توفير فرص العمل الكريم لكل مواطن قادر عليه ، وضمان الحد الأدنى من الدخل لجميع المواطنين ، بما يحفظ كرامتهم ويلبي حاجاتهم وفق المعايير المشار إليها في الشريعة الإسلامية والمنصوص عليها في العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الذي انضمت إليه دولة البحرين ، والالتزام بالضمان الاجتماعي في حالة البطالة والعجز عن العمل .
( 6 ) : مكافحة الفساد بكافة أشكاله والقضاء عليه ، واسترجاع ما نهب من أراضي وثروات ، ورد الحقوق إلى أصحاب وجبر الأضرار ، ونؤكد على حماية البيئة ، وإصلاح ما لحق بها من تخريب .
( 7 ) : تحقيق العدالة والمساواة بين كافة المواطنين في الحقوق والواجبات وتجريم التمييز بينهم على أساس العرق أو الدين أو الطائفة أو غيرها والتوقف عن ممارسة التطهير الطائفي .
( 8 ) : إطلاق سراح كافة المعتقلين فوراً ومن دون قيدٍ أو شرطٍ وعلى رأسهم فضيلة الأستاذ حسن المشيمع وفضيلة الشيخ محمد حبيب المقداد ، وإيقاف التعذيب والتجاوزات وملاحقة المتورطين ، وعدم العودة إلى الحلول الأمنية من جديد . وإننا نرفض قرار المحكمة باستمرار حبس المعتقلين وتجاهل السلطة للإرادة الشعبية والنداءات المخلصة من الداخل والخارج المطالبة بالإفراج عنهم ، مما يزيد في درجة الاحتقان ويؤكد الدوافع السياسية في القضية برمتها .
( 9 ) : تسوية كافة الملفات العالقة الأخرى .

أما عن الخطوة القادمة فهي تتألف من ثلاثة عناصر كالتالي:
( 1 ) : سيقوم المعتصمون بزيارات لمختلف المناطق في البحرين واللقاء بجماهيرها ونُخبها كخطوة تمهيدية بهدف خلق الأرضية الجماهيرية القوية والمناسبة استعدادا للخطوات اللاحقة ، فهي زيارات عمل وليست من أجل الاستقطاب . ولهذا نهيب بأهلنا في مختلف مناطق البحرين بالتفاعل الايجابي مع هذه الخطوة والاستعداد لها نظرا لأهميتها القصوى في نجاح الخطوات اللاحقة ، وندعو أهلنا في مختلف المناطق إلى المبادرة من الآن في تشكيل فرق العمل الشعبية لتنظيم الفعاليات والإشراف عليها استعدادا لذلك .
( 2 ) : الاتصال بالرموز والشخصيات القيادية والمؤسسات بهدف التشاور والتنسيق وخلق الأرضية المناسبة القوية للعمل الإسلامي والوطني المشترك .
( 3 ) : كتابة رسالة إلى ملك البلاد يتم فيها تحديد المطالب التي يسعى المعتصمون وجماهير الشعب إلى تحقيقها والتأكيد على سلمية الأساليب ، ونشرها للرأي العام في الداخل والخارج ، وإيصالها إلى الأطراف المحلية والدولية ذات الصلة .
وفي الختام :
نعلن عن شكرنا العميق وامتناننا البالغ لشعبنا العظيم الذي عوّدنا على الوفاء والتضحية والإيثار على النفس ، ولجماهيرنا على الحضور المميّز في كافة فعاليات الاعتصام الذي أقيم احتجاجاً على التدهور العام في أوضاع البلاد ، وللمطالبة بالإفراج عن المعتقلين السياسيين وعلى رأسهم المشيمع والمقداد ، فلولا توفيق الله سبحانه وتعالى ثم حضوركم ـ أيها الأوفياء الصادقون ـ لما كان لهذا الاعتصام أن ينجح أبداً ، فالفضل لله سبحانه وتعالى ثم إليكم في نجاحه .
كما نشكر الرموز والشخصيات والعلماء والمؤسسات التي تضامنت مع الاعتصام وفي مقدمتهم سماحة آية الله الشيخ حسين النجاتي ( حفظه الله تعالى ) والمجلس العلمائي ، وجمعية وعد ، وجمعية أمل ، وجمعية الإخاء ، وجمعية المنبر التقدمي ، وشورى الوفاق والكتلة النيابية ، وجمعية الممرضين ، والأمانة العامة لحركة حق ، والتجمع الوطني الديمقراطي ، والجمعية البحرينية لحقوق الإنسان ، ومركز البحرين لحقوق الإنسان ، وجمعية شباب البحرين لحقوق الإنسان ، وجمعية الزهراء لرعاية الأيتام ، والهيئات الشعبية ووفود المناطق .
ونشكر الإعلاميين الذين واكبوا الفعالية بمسؤولية وأمانة مهنية ، والصحف والمواقع الالكترونية التي قامت بالتغطية الإعلامية ، وفي مقدمتها ملتقى البحرين ، والصرح الوطني ، وموقع الأستاذ . ونشكر الكادر الطبي والفريق التنظيمي والإعلامي للاعتصام وفرق العمل في ساحة الاعتصام ، ونشكر أهالي قرية النويدرات العزيزة الذين احتضنوا الفعالية بكل محبة ووفاء وأريحية ، ولم يدخروا جهداً في خدمة المعتصمين والوفود والحشود الجماهيرية .
وآخر القول : أن ما جاء في هذا البيان قابل للنقد ، وهو مطلوب من الجميع ومن أصحاب الفكر والاختصاص خصوصا ، وما توفيقنا إلا بالله العلي العظيم عليه توكلنا وإليه ننيب .
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
صادر عن المعتصمين المضربين عن الطعام بمنزل الأستاذ الفاضل عبد الوهاب حسين.
مساء الثلاثاء ـ ليلة الأربعاء
بتاريخ : 28 / صفر /1430هـ
الموافق : 24/ فبراير ـ شباط / 2009م.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.