الأسئلة والأجوبة

مجموعة الأسئلة والأجوبة رقم – 28

أسئلة وأجوبة ( 28 )

الموضوع : أجوبة الأستاذ عبد الوهاب حسين على بعض الأسئلة التي وردت إليه .
التاريخ : 28 / رجب / 1426هـ .
الموافق : 3 / سبتمبر – أيلول / 2005م .

السؤال ( 1 ) : لقد صرح سماحة آية الله الشيخ حسين النجاتي في مقابلة صحفية لجريدة الوسط البحرينية : انه سوف يتصدى لتفاصيل الشأن السياسي المحلي .. ملأُ للفراغ القيادي .
أ- لماذا تفرق العلماء ؟
ب – هل تتوقع أن يؤدي تصدي الشيخ النجاتي إلى مشاكل في التيار ؟

الجواب ( 1 ) : وفيه نقاط عديدة .. أهمها :

النقطة الأولى : ينبغي أن نميز بين نمطين من الاختلاف بين الفقهاء في العمل السياسي في عصر الغيبة الكبرى .. وهما :
الأول : الاختلاف في المنهج .
الثاني : الاختلاف في التفاصيل دخل المنهج الواحد .
وتفصيل ذلك : أنه في عصر المعصوم ونائبه الخاص : لا مجال للاختلاف حول المنهج ، لأن الرجوع إلى المعصوم أو نائبه الخاص يحسم الخلاف بتحديد المنهج المطلوب من المؤمنين العمل وفقه .
أما في عصر الغيبة الكبرى ، وفي ظل فتح باب الاجتهاد : فإن الاختلاف بين الفقهاء قد يصل إلى حد الاختلاف في المنهج .

النقطة الثانية : إذا كان الاختلاف بين الفقهاء في المنهج : فإنه يصعب عليهم وعلى غيرهم الذين يتبعونهم العمل في إطار تنظيمي واحد ، واستنادا لعدم وجود أساس علمي صحيح يسمح لأحد الفقهاء بفرض منهجه على الفقهاء الآخرين ، ومصادرة حقهم في العمل وفق المناهج التي يرون صحتها .. فإنه ينتج عن ذلك : تعدد أطراف العمل الإسلامي بتعدد المناهج التي يتبعونها .. مع وجوب ملاحظة : أن ذلك ( إذا حسنت النوايا وكان العمل خالصا لوجه الله تعالى ) لا يلزم عنه الصراع والتنازع .. ولا يجوز لهم ذلك ( بحكم العقل وإقرار الشريعة المقدسة – حسب أقوال الفقهاء ) ولا يمنع من تعاونهم على الخير المشترك ، والتكامل بينهم في الأدوار .
أما إذا كان الاختلاف في التفاصيل داخل المنهج الواحد : فإنه من الممكن اجتماعهم في إطار تنظيمي واحد .. ويكون السبيل إلى وحدة المواقف رغم اختلاف الآراء بينهم : وجود آليات علمية محايدة تحكم اتخاذ القرار .

النقطة الثالثة : يعتبر حق تعدد أطراف العمل لتعدد المناهج : سبيل رباني للارتقاء المؤمنين نحو اكتشاف الحق والصواب الواقعيين في الآراء والمواقف ، وتصحيح حركة العمل الإسلامي وتطويرها .. إذا توفر شرطان رئيسيان وهما :
الشرط الأول : ممارسة حق الاجتهاد وفق شروطه والعمل بحكمه .
الشرط الثاني : ممارسة حق النقد وفق شروطه أيضا .

النقطة الرابعة : بمقدار تتبعي لأداء أصحاب السماحة العلماء الثلاثة الأجلاء – وحسب فهمي – لم أجد اختلافا منهجيا بينهم ، وإنما في التفاصيل داخل المنهج الواحد ، وكان لديهم خياران للمحافظة على وحدة صفهم واتفاق مواقفهم .. والخياران هما :
الخيار الأول : القبول بالانضواء تحت عباءة أحدهم ، وهذا يحتاج إلى نكران الذات ( وهو موجود بامتياز يفرض الاحترام والتقدير لأبعد الحدود لدى سماحة العلامة التقي الغريفي ) وإلى قناعة علمية وعملية بذلك ( وهو غير موجود لدى بعضهم على الأقل ) .
الخيار الثاني : النزول على آليات علمية محايدة لاتخاذ القرار .. وهو لم يكن موجودا .
فكانت النتيجة : ( الافتراق ) وذلك حسب تقديري : لعدم توفر القناعة العلمية والعملية ( لدى بعضهم على الأقل ) بالانضواء تحت عباءة أحدهم ، ولعدم النزول على آلية علمية محايدة تحكم اتخاذ القرار بينهم .

النقطة الخامسة : قد يشكل البعض على مسألة الفراغ القيادي من حيث الشكل .. وذلك : لوجود بعض الشخصيات والأطراف المتصدية لقيادة الساحة .. مثل : سماحة آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم ( حفظه الله تعالى ورعاه ) وجمعية الوفاق الوطني الإسلامية .. وغيرهما ، ولكن من حيث المضمون : يمكن القبول ( نظريا ) بمسألة الفراغ القيادي على تقدير : وجود الخلل أو النقص في أداء القيادات المتصدية .. أو على تقدير : أن الساحة لا تزال تتسع أو أنها في حاجة لممارسة دور قيادي إضافي !!

النقطة السادسة : بغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع سماحة آية الله الشيخ حسين النجاتي ( حفظه الله تعالى ورعاه ) في تشخيصه لمسألة الفراغ القيادي .. فإنه لا يوجد لدى أحد الأساس العلمي الصحيح لمصادرة حقه في التصدي للقيادة ، والدخول في تفاصيل الشأن السياسي .

النقطة السابعة : لا أعتقد بأن تصديه ( حفظه الله تعالى ورعاه ) سوف يخلق مشاكل في الساحة .. وذلك : لما يتمتع به العلماء الأجلاء ( حفظهم الله تعالى ورعاهم ) في مواقفهم من الورع والتقوى والحرص الأكيد على مصالح العباد ، وعدم التنافس على الحطام ، وعدم التهور أو الانقياد إلى الهوى والشيطان .

النقطة الثامنة : يتوقف نجاح سماحة آية الله الشيخ حسين النجاتي ( حفظه الله تعالى وأمد في ظله المبارك ) أو فشله في التصدي للقيادة : على مدى استجابة الناس لقيادته ، وحجم ونوعية المكاسب التي يحققها والأهداف التي ينجزها على الأرض .

السؤال ( 2 ) : يوجد في الساحة توجهان لدى الجماهير بخصوص طاعة القيادات والعلماء .. وهما :
التوجه الأول : يجعل من القيادات والعلماء معيارا لصحة وخطأ الرأي أو الموقف .
التوجه الثاني : ينادي بالطاعة الواعية للقيادات والعلماء .. وذلك : بإخضاع أرائهم ومواقفهم للتحليل والتقييم والنقد .
ما هو تعليق الأستاذ عبد الوهاب حسين بخصوص هذين التوجهين ؟

الجواب ( 2 ) : وفيه نقاط عديدة .. أهمها :

النقطة الأولى : لا يمكن أن ينتظم أمر جماعة ، ولا يمكن أن تحافظ على تماسكها ، ولا يمكن أن تنجح في تحقيق أهدافها .. بدون وجود قيادة فاعلة ومطاعة لديها .

النقطة الثانية : لكي يكون وجود القيادة في مكانها صحيحا ، وطاعتها مطلوبة .. يجب أن تتوفر فيها شروط عديدة أهمها :
الشرط الأول : أن يكون توليها لمنصب القيادة قائم على أسس صحيحة يقبلها الأتباع .. وباختيارهم ورضاهم ، وأن تعبر القيادة عن إرادتهم ، وتصون حقوقهم ومكتسباتهم ، وأن تعمل لخدمة مصالحهم ، وأن تنجح في انجاز أهدافهم المنشودة في الحياة .
الشرط الثاني : أن تمارس دورها وفق ضوابط محددة .. مثل : الأحكام الشرعية للقيادات الدينية ، والدستور والقانون للقيادات الوضعية والدينية في الحكومة الإسلامية .
الشرط الثالث : أن تكون عملية اتخاذها للقرار محكومة بآليات محددة ومعلومة ومتوافق عليها لتنظيمها .. بأي شكل من أشكال التوافق المقبولة إداريا .

النقطة الثالثة : أن طاعة القيادة بعد توفر الشروط الثلاثة السابقة ، يجب أن تكون طاعة واعية تخضع فيها أطروحات القيادة وقراراتها ومواقفها للتحليل والتقييم والنقد .. وليست طاعة عمياء ، وذلك للأطمئان على سلامة الاختيار للقيادة ، واستبدالها بغيرها في حال ثبت فشلها .

النقطة الرابعة : تعتبر الطاعة الواعية ( وليست الطاعة العمياء ) للقيادة سيرة عقلائية ولها أدلتها في الإسلام .. منها الأدلة التالية :
الدليل الأول : قول الله تعالى : { قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني } ( يوسف : 108 ) .
فالبصيرة مطلوبة للأتباع وليس للقيادة فقط ، وقد أثبتت التجارب : أن بصيرة القيادة تفقد قيمتها ما لم تعزز ببصيرة الأتباع .. لا سيما في الوقت الحاضر : حيث تجاوزت الاختراقات كل الحدود والحصون ، وأصبحت دعايات الأعداء تصل إلى المرأة في مخدعها ، والسبيل إلى بصيرة الأتباع هو الوعي المتولد من خلال الفهم والتحليل والتقييم والنقد لآراء ومواقف القيادات والرموز والاقتناع بها .. وليس الطاعة العمياء التي تجعل من الأتباع لقمة سائغة لدى الأعداء .
الدليل الثاني : قول الله تعالى : { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله } ( التوبة : 31 ) وذلك لأنهم يأخذون بأقوالهم ويتبعون ما يأمروهم به بدون تدقيق .. فأنزلوهم منزلة الرب سبحانه وتعالى .
الدليل الثالث : لو صح لدى العقلاء والمتشرعة الطاعة العمياء للقيادات والعلماء ، لما كانت لله تعالى حجة على أتباع أئمة الضلال والفرق الضالة ، ولما كانت لله تعالى وللعقلاء حجة على الجماعات الإرهابية والتكفيرية والإجرامية .. التي ترتكب المجازر والجرائم طاعة لقياداتها .
الدليل الرابع : يعتبر عقل النبي الأكرم الأعظم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وعقول أهل بيته ( عليهم السلام ) أكمل العقول ، وعلمهم أوسع علم ، ولا تقاس عقول الناس بعقولهم ، ولا علوم الناس بعلومهم ، وهم معصومون ومصيبون ( دائما ) في آرائهم ومواقفهم ، والناس مطالبون ( حسب الغرض الإلهي من الخلق ) بالصعود نحو كمالهم المعنوي الشامخ العظيم ، والوصول إلى الآراء والمواقف الواقعية ( المصيبة للواقع ) التي يصيبها الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأهل بيته الطيبين الطاهرين ( عليهم السلام ) ( دائما ) والسبيل إلى ذلك : هو الطاعة الواعية التي تنشأ عن فهم آراء ومواقف القيادات والعلماء وإخضاعها للتحليل والتقييم والنقد بشروطه .. فتؤمن من خلال ذلك : فرصة الصعود المستمر لاكتشاف الحق والصواب الواقعيين في الآراء والمواقف ، والتصحيح والتطوير في الحركة والأوضاع العامة في المجتمع .. وأعتقد : أن الطاعة العمياء للقيادات من العوائق الخطيرة التي تقف في وجه الحركة التصاعدية للإنسان نحو الكمال الإنساني المنشود ، والصعود المستمر لاكتشاف الآراء والمواقف الواقعية ، وتقلل من فرص التصحيح والتطوير في أوضاع المجتمع ومسيرته نحو الرقي والتقدم ، وتفرض الفشل والضعف والتصدع على الجماعات والمجتمعات .

النقطة الخامسة : إن الأصل في الإتباع الواعي للقيادات ، أن يكون الأتباع في حالة فهم ووضوح وقناعة بآراء ومواقف القيادات .. وما يخرج عن ذلك استثناء ، ويبرر للأتباع إتباع القيادات في الحالات الاستثنائية : ما تثبته التجارب من إخلاص وقوة وصواب القيادات في آرائها ومواقفها السابقة .

النقطة السادسة : تقيم القيادة على أسس عديدة .. من أهمها : قدرتها على التفكير وحل المشاكل ، والقوة والشجاعة والصمود ، والأمانة والنزاهة وطهارة الذيل ، وحسن الرعاية للأتباع ، وحسن التدبير والنشاط والمثابرة لإنجاز الأعمال المطلوبة ، والقدرة على فتح العلاقات والتكيف مع الآخرين والتأثير الموجه فيهم لخدمة الأهداف المنشودة ، والقدرة على تحصيل المكاسب وإقامة المنجزات وتحقيق الأهداف على الأرض .. الخ .
الجدير بالذكر : أن ليس كل من يصلح للقيادة الفكرية والروحية والأخلاقية ( مثلا ) يصلح للقيادة السياسية والعسكرية ، وليس كل من يصلح لقيادة فريق أكاديمي يصلح لقيادة فريق رياضي أو شركة تجارية .. وهكذا .

السؤال ( 3 ) : لقد تحدث الأستاذ عبد الوهاب كثيرا عن حقول النقد وشروطه ، وأصبح النقد يمارس في الساحة بدون ضوابط .. فما هي حقول النقد وشروطه من وجهة نظره ؟

الجواب ( 3 ) : وفيه نقاط عديدة .. أهمها :

النقطة الأولى : أعتقد أن الاطمئنان إلى سلامة الآراء والمواقف واكتشاف الحقيقة فيها ، وإتاحة الفرصة للتصحيح والتطوير والارتقاء نحو الواقعية في أي حقل من حقول المعرفة والعمل .. لا يمكن أن يحصل : بدون ضمان حرية الرأي والتعبير والعمل وفق الرأي عن قناعة .. وكذلك : ضمان حرية النقد مع توفر شروطه .
وأعتقد أن تقييد حرية النقد مع توفر شروطه : يضر بكرامة الإنسان ، وبواجباته الدينية والوطنية والإنسانية .
والخلاصة : ( أن النقد مع توفر شروطه ) حق لكل إنسان ، وتكليف ديني ووطني وإنساني .

النقطة الثانية : حقول النقد كثيرة .. من أهمها :
الحقل الأول – الفكر والمعرفة : وهدف الإنسان في حقل الفكر والمعرفة : معرفة الحق .. وحينما يختلف حول الحق : ينفتح باب النقد على ثلاثة أصعدة أساسية : المضامين والمناهج والأدلة .
الحقل الثاني – الشأن العام ( السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي ) : وهدف الإنسان في هذا الحقل : تحقيق العدالة والتقدم والرخاء .. وحينما يختلف في شأنها : ينفتح باب النقد على أصعدة : النظم والقوانين والمؤسسات والمشاريع أو البرامج .
الحقل الثالث – الشخصيات العامة : وهي الشخصيات التي تتولى مهام قيادية ووظائف عامة في المجتمع ، وهدف الإنسان من تولية المناصب العامة للأشخاص في المجتمع : حسن التدبير ، والقضاء على الفساد والمحسوبية ، وتحقيق الأهداف .. وحينما يختلف في شأنها : ينفتح باب النقد على أصعدة : السلوك العام والكفاءة والأداء للشخصية العامة .

النقطة الثالثة : لكي يكون النقد إيجابيا ينبغي أن تتوفر فيه عدة شروط أو ضوابط أساسية .. أهمها :
الشرط الأول : أن يكون موضوعيا ومنصفا وعن علم وذو فائدة وبالرفق بعيدا عن العنف ولا يتجاوز حدود الحاجة ، وأن لا يكون خاضعا للأهواء والرغبات النفسية الهابطة .
الشرط الثاني : أن لا يضر بأواصر المحبة والولاء بين المؤمنين ، ولا يؤدي إلى التنازع والصراع والاحتكاك بينهم .
الشرط الثالث : أن يسعى للتبصير ، وتوظيف الطاقات ، وتحويل السلبيات إلى إيجابيات ، والضعف إلى قوة ، ولا يؤدي إلى ضعف الجماعة وتفريق كلمتها وعرقلة مسيرة تقدمها .. أو تمكين الأعداء منها .
الشرط الرابع : عدم هتك حرمة إنسان مؤمن أو جماعة مؤمنة أو يؤدي إلى إسقاطهم أو التشهير بهم .
الشرط الخامس : أن لا يؤدي إلى كشف أسرار المؤمنين أمام الأعداء ولا الإضرار بمصالحهم .
الشرط السادس : أن لا يكون فيه شيء من الكذب والبهتان أو تحريف الحقائق وتزويرها .. بأي شكل من الأشكال .

النقطة الثالثة : ينبغي الحذر كل الحذر من التوظيف السلبي للشروط المذكورة .. مثل إدعاء : أن النقد يؤدي إلى تصدع المجموعة ، وتفريق كلمتها ، وإعاقة تقدمها ، وتمكين الأعداء منها .. كما يحاول البعض فعله ، بهدف منع النقد الإيجابي البناء ، ليتكرس الواقع المنحرف أو الضعيف .
إنني أعتقد ( بكل تأكيد ) : أن ممارسة العمل بعيدا عن التحليل والتقييم والنقد بشروطه من الآخرين .. يؤدي بطبيعة الحال : إلى الاستبداد ، والتخلف ، والتصدع في كيان الجماعات والمجتمعات ، وفشلها في تحقيق أهدافها ، وإدخال اليأس إلى نفوس أعضائها .. وليس العكس ، ولا يكون منع النقد إلا عن حب مفرط للذات ، أو لخوف من كشف الحقيقة .. وذلك : لعدم الثقة في نزاهة النفس وطهارة الذيل ، أو لعدم الثقة في جودة الأداء وفي الأوضاع العامة التي أنتجها ، أو لعدم الثقة في القدرة على انجاز الأهداف المنشودة والمحافظة على المكتسبات السابقة .. وأعتقد أنه لا يمنع النقد مع توفر شروطه : كل سليم للنفس ، مخلص لدينه ووطنه ، واثق من نزاهة نفسه ، وطهارة ذيله ، وحسن أدائه .

السؤال ( 4 ) : كيف نستطيع أن نحافظ على وحدة كياننا مع القبول بتعدد أطراف العمل .. استنادا للتعدد المناهج كما تقول ؟

الجواب ( 4 ) : وفيه نقاط عديدة .. أهمها :

النقطة الأولى : لا شك في ثبوت حق الاجتهاد ( عقلا وشرعا ) مع توفر شروطه .. وهو ضرورة لا غنى عنها في المجتمعات والجماعات : من أجل التصاعد لاكتشاف الحق والصواب الواقعيين في الآراء والمواقف ، وتصحيح الأداء وأوضاع المجتمعات والجماعات وتطويرهما ، ولم يتفق الفقهاء ( رضوان الله تعالى عليهم ) وأتباعهم على منهج واحد في ممارسة العمل السياسي .. وبالتالي : فإن تعدد المناهج استنادا لممارسة حق الاجتهاد ، أصبح واقع قائم لا مفر منه .
ومن جهة ثانية : لا يوجد أساس علمي أو عملي صحيح يعطي لأحد الفقهاء ( رضوان الله تعالى عليهم ) الحق في فرض منهجه ومصادرة حق الفقهاء الآخرين وأتباعهم في العمل وفق المناهج التي يرون صحتها .
والنتيجة التي نخلص إليها من ذلك : أن تعدد أطراف العمل استنادا لتعدد المناهج .. أصبح واقع صحي لا يمكن إنكاره أو الاعتراض عليه ، إلا لذوي النزعات الاستبدادية ، والأفق الضيق .

النقطة الثانية : أن تعدد أطراف العمل استنادا لتعدد المناهج ليس من شأنه أن يضر بوحدة الكيان .. مع الالتفات إلى الأمور المهمة التالية :
الأمر الأول : وحدة المرجعية المتمثلة ( إسلاميا ) في القرآن الكريم والرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وأهل بيته الطيبين الطاهرين ( عليهم السلام ) والعقل السليم .. وهذا من شأنه : أن يوحد الإطار العام الجامع للكيان ، بكل ألوان طيفه وتجمعاته وتنظيماته ، كما توجد للكيانات الأخرى مرجعياتها .
الأمر الثاني : المحافظة على أواصر المحبة والوئام والولاية بين المؤمنين وحفظ حقوقهم .. وتجنب الصراع والتنازع والاحتكاك بينهم .
الأمر الثالث : القبول بالآخر والاعتراف بكامل حقوقه .. ومنها : حقه في الاختلاف والتعبير عن رأيه ، والحرص كل الحرص على التعاون في الخير المشترك والتكامل في الأدوار .

السؤال ( 5 ) : تشهد الساحة الوطنية ممارسات غريبة في هذه الأيام .. مثل : إرسال مسجات عبر الهاتف النقال تثير الفتنه وتسيء إلى الرموز ، والتحشيدات وإثارة النعرات الطائفية ، والحديث عن جمعية تحت اسم : ” مجمع البيت الشيعي ” ، ولافتات تتكلم عن توصيات من السيد الخامنئي للشيخ عيس أحمد قاسم .. الخ .
ما هو تفسير الأستاذ عبد الوهاب حسين لهذه الممارسات ؟

الجواب ( 5 ) : وفيه نقاط عديدة .. أهمها :

النقطة الأولى : إنني أعتقد أن تلك الممارسات العشوائية المسعورة ، تعبر عن مخاوف وقلق ( مستحقين ) لدى السلطة وأطراف أخرى من الخيارات التي يمكن أن تلجأ إليها المعارضة في حركتها المطلبية القادمة ، في ظل تراجعات السلطة الخطيرة عن الإصلاح وتكريس الظلم والاستبداد ، وفي ظل زيادة الغضب الشعبي من ممارسات السلطة ، مع ظهور بودر حركة جماهيرية غاضبة ، ومع الشك في موافقة الجمعية العمومية لجمعية الوفاق الوطني الإسلامية ( وجمعيات أخرى ) على التسجيل وفق قانون الجمعيات السياسية الجديد ، وظهور مؤشرات قوية تدل على عدم رضوخ عدد من الرموز لقانون الجمعيات السياسية .. وبقائهم خارج هذه الدائرة ، مع أغلبية جماهيرية غاضبة ، لا سيما إذا أخذنا بعين الاعتبار : أن عدم الرضوخ يحمل في نفسه نفسا تصعيديا تجاه السلطة ، وما يمتلكه بعض الرموز من ثقل جماهيري وسعة نفوذ ( يمكنهم من قول كلمة الحق ) وإحساس عميق بالمسؤولية ( لا يسمح لهم بالصمت والتجاهل لما يجري حولهم على الساحة الوطنية من تراجعات وآهات ) مع تعدد الخيارات الممكنة للتحرك ، وجاهزية الملفات الساخنة المحضرة ، ووضوح الرؤية والمطالب الأساسية فيها .. مما ينذر : باحتمال ( قوي ) لحدوث حركة مطلبية ( جماهيرية ) عاصفة في المستقبل ، والخيارات الممكنة ( لتنظيم ) التحرك كثيرة .

النقطة الثانية : تكشف تلك الممارسات عن بعض الأسلحة الخبيثة التي تسعى الأطراف المعادية أو المخاصمة أو المضادة لتوظيفها في مواجهة الحركة المطلبية الجماهيرية الحالية والقادمة .. منها على سبيل المثال : السعي لزرع بذور الخلاف والفتنة بين الرموز وقوى المعارضة ، وشغل الجماهير بقضايا مفتعلة لصرف اهتماماتهم عن القضايا الجوهرية الرئيسية وفصلهم عن الرموز والقيادات السياسية والدينية ، والاعتماد على التحشيد الطائفي في مواجهة الحركة المطلبية القادمة لحرف وجهتها وتغيير صبغتها ولخداع الرأي العام في الداخل والخارج ، والسعي ( على العادة القديمة ) لربط التحرك بالتحريض الأجنبي لخداع الرأي العام في الداخل والخارج أيضا .. وهذا كله ( وغيره ) يتطلب من القائمين على الحركة المطلبية : الحنكة والإبداع في مواجهة هذه الأسلحة الخبيثة ، وإيجاد العلاجات المناسبة للأمراض السلطوية الحالية والقادمة .

النقطة الثالثة : هناك بعض الملاحظات المهمة التي تكشف عن حقيقة القائمين على ما يسمى ب ” مجمع البيت الشيعي ” ولافتات نصائح الأمام الخامنئي لآية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم ( حفظهما الله تعالى وأمد في ظلهما المبارك ) .. أهمها :
الملاحظة الأولى : لم توجد أية مؤشرات لمخاض وفاقي ( أو في التيار ) لولادة ما يسمى ب ” مجمع البيت الشيعي ” مما يدل على أنها لقيط لخيال معادي مريض .
الملاحظة الثانية : أن أصحاب الخيال المريض لم يلتفتوا بسب الاستعجال على أخراج هذا اللقيط ( الخديج ) .. إلى أنه : لا يمكن تسجيل هذا اللقيط المسمى ب ” مجمع البيت الشيعي ” في سجل جمعيات قانون الجمعيات السياسية الجديد .. لأن تأسيس ” مجمع البيت الشيعي ” قائم على أساس طائفي .
الملاحظة الثالثة : إن إسناد هذا اللقيط لشريحة من التنوقراط الشيعة مستلهم من ورقة الوفاق حول إيجابيات وسلبيات خيارات الحل والتسجيل ، حيث ركزت الورقة على رفض هذه الشريحة للمواجهة مع السلطة وخسران التيار لها في حال رفض التسجيل وفق القانون الجديد .. وفي الإشارة إلى هذه الشريحة : محاولة لترسيخ المخاوف حول مستقبل علاقة هذه الشريحة بالتيار ، ولإضفاء بعض الواقعية على خيار التسجيل ، ومحاولة لتحريك واستنهاض روح التنافس ( المادي ) على المغانم بين المتنافسين عليها في داخل الوفاق وخارجها !!
الملاحظة الرابعة : إن لافتة النصائح تستهدف الإساءة إلى مقام آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم ( حفظه الله تعالى وأمد في ظله المبارك ) وتريد التصوير بأن سماحته يتلقى الأوامر من إيران ، لكي تكذب على الرأي العام وتخدعه بزعمها التحريض الأجنبي على التحرك في المطالبة بالحقوق ، وربما تسعى للحصول من آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم ( حفظه الله تعالى ورعاه ) على تصريح بخصوص علاقته مع الإمام الخامنئي ( أمد الله تعالى في ظله المبارك ) ولا أريد أن أكثر في الرد على محاولة الإساءة أو استبق آية الله الشيخ عيسى أحمد قاسم في الرد ، ولكن أريد أن أعبر عن رأيي الخاص باختصار شديد فأقول : أن علاقتنا مع مراجعنا العظام تسمو فوق الحدود الجغرافية والسياسية ، وأنها أقوى من كل الأراجيف والأكاذيب والتهاويل.. ولن تستطيع أن تنال منها قوى الشيطان قيد شعرة .
الملاحظة الخامسة : إن لافتة النصائح وفبركة ” مجمع البيت الشيعي ” تشترك في ذكر انتخابات ( 2006 ) فهي رغبة لعقلية مشتركة ، وأن العقلية التي أخرجتهما غير عارفة ( قطعا ) بعقلية البيت الشيعي .. وليست منها .
فشريحة التنوقراط الشيعية : ( وإن فرضنا أن أجندتها شيعية بحتة ) فهي ليست من الغباء إلى الدرجة التي تختار لجمعيتها اسم ذو مسحة طائفية فاقعة لا يسمح حتى بتسجيلها وفق قانون الجمعيات الجديد التي جاءت لتأييده وتثبته .. فالفبركة : وليدة عقلية طائفية غير شيعية ، لا تمتلك الخبرة الكافية في فهم الأوضاع العامة في البلاد .
ومن جهة ثانية : فإن العارف بالأساسيات الأولى التي يقوم عليها تولي الإمام الخامنئي ( أيده الله تعالى بجنده ومكره وألطافه وإفاضاته المباركة ) لمنصب الولي الفقيه في الجمهورية الإسلامية في إيران ، وكذلك العارف بالحد الأدنى من توجهاته الفكرية والسياسية .. يقطع : بأنه لا ينصح بابتعاد علماء الدين عن السياسية ، فهو من أكثر المحذرين من فصل الدين عن السياسية ، ومن تهميش دور علماء الدين في الشؤون العامة للحياة !!
والخلاصة : أن لا فتة النصائح وفبركة ” مجمع البيت الشيعي ” .. هما : وليدين لعقلية ( واحدة ) طائفية قليلة الخبرة .. وغير شيعية .

أيها الأحبة الأعزاء ..
أكتفي بهذا المقدار ..
وأستغفر الله الكريم الرحيم لي ولكم ..
واستودعكم الله الحافظ القادر من كل سوء ..
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.