محاضرات وندوات عام 2008

أسبوع الوحدة الإسلامية

الموضوع : كلمة للأستاذ عبد الوهاب حسين .
المناسبة : أسبوع الوحدة الإسلامية .
المكان : قرية المعامير / الساحة المقابلة لمسجد الضامن .
اليوم : مساء الخميس ـ ليلة الجمعة .
التاريخ : 12 / ربيع الأول / 1429هج .
الموافق : 20 / مارس ـ آذار / 2008م .

أعوذ بالله السميع العليم ، من شر نفسي الأمارة بالسوء ، ومن شر الشيطان الرجيم .
بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين .
اللهم صل على محمد وآل محمد ، وارحمنا بمحمد وآل محمد ، واهدي قلوبنا بمحمد وآل محمد ، وعرف بيننا وبين محمد وآل محمد ، واجمع بيننا وبين محمد وآل محمد ، ولا تفرق بيننا وبين محمد وآل محمد في الدنيا والآخرة طرفة عين أبدا يا كريم .
اللهم معهم .. معهم لا مع أعدائهم .
السلام عليكم أيها الأحبة : أيها الأخوة والأخوات في الله ورحمة الله تعالى وبركاته .

في البداية : أرفع أسمى التهاني والتبريكات إلى مقام إمامنا ومولانا وسيدنا وشفيع ذنوبنا يوم القيامة الحجة بن الحسن العسكري ( أرواحنا لتراب مقدمه الفداء ) وإلى مقامات مراجع الأمة لاسيما ولي أمر المسلمين الإمام السيد علي الخامنئي وفقهائها وعلمائها ، وإلى جميع المؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات في مشارق الأرض ومغاربها ، وإليكم أيها الأحبة ، بمناسبة أسبوع الوحدة الإسلامية ، ومولد الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .

قال الله تعالى : { وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } ( آل عمران : 103 ) .

الاختلاف في الرأي ظاهرة طبيعية وسنة كونية ثابتة ، به قامت السماوات والأرض ، فهو الأساس الذي تقوم عليه الحركة والنمو والحياة في الكون ، وبدونه لا حركة ولا نمو ولا حياة في هذا الوجود . وهذه الحقيقة الكونية العامة الثابتة قد اكتشفها صدر المتألهين الشيرازي وأسماها بـ( الحركة الجوهرية ) ويعتبر الاختلاف الأساس لحركة الفكر والمجتمعات وتصحيح أوضاعها وتطويرها ، وبدونه لا حركة ولا تصحيح ولا تطوير في الفكر والمجتمعات . وكلما تطور الفكر وتطورت المجتمعات أكثر ، كلما برز الاختلاف أكثر ، وأصبح أكثر أهمية .
قال الله تعالى : { كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } ( البقرة : 213 ) .
وقال الله تعالى : { وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ . إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ } ( هود : 118 ـ 119 ) .

ويعتبر الاختلاف حقيقة واقعية قائمة بيننا بالفعل ، فلا يوجد اثنان متفقان في كل شيء ، حتى الأب وأبنائه ، والأستاذ وتلامذته .. وبقي أن نعرف : بأن هذا الاختلاف ، إما أن يكون سبيلا إلى الحركة والتقدم والرخاء والازدهار في الحياة ، وإما أن يكون سببا للنزاع والاقتتال والخراب والدمار والتخلف ، وهذا يتوقف على نظرة الإنسان إلى الاختلاف وأسلوبه في التعاطي معه وإدارته ، فإذا تعاطى معه بفكر منغلق ونفسية مريضة ، قوامهما : النظرة الأحادية الضيقة والظلم بدافع الأنانية وحب الذات والمصالح الخاصة : الشخصية والحزبية والفئوية والطائفية ، فإن النتيجة هي : النزاع والشقاق والاقتتال والخراب والدمار والتخلف في الحياة . وإذا تعاطى معه الإنسان بفكر منفتح ونفسية سليمة ، قوامهما : العدل والقبول بالآخر والتسامح معه والاحترام المتبادل والاعتراف بحقوقه الطبيعية في الحياة ومنحه إياها وحسن الإدارة ، فإن النتيجة هي : التضامن والسلام والأمن والاستقرار والتقدم والازدهار والرخاء في الحياة .. والخلاصة : أن المشكلة ليست في الاختلاف ، وإنما في التعاطي معه وأسلوب إدارته .

والاختلاف بين المسلمين بعد الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حقيقة واقعية لا شك فيها ، فالمسلمون في الأصل وبطبيعة الحال : ليسوا شعبا واحدا ، وإنما هم عدد من الشعوب والقبائل والأعراق المختلفة : عربا وفرسا وأتراكا وأوربيين وآسيويين وغيرهم ، وهم لم يجتمعوا على مرجعية دينية وسياسية واحدة بعد الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) فتعددت بينهم المذاهب . إلا أن ذلك كله لا يفقد الأمة الإسلامية وحدتها الواقعية والحقيقية .
قال الله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } ( الحجرات : 13 ) .
وقال الله تعالى : { إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ } ( الأنبياء : 92 ) .
وقال الله تعالى : { وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ } ( المؤمنون : 52 ) .
وقال الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، والحج ، وصوم رمضان ” ( صحيح البخاري . كتاب الإيمان ) وقال : ” أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، فإذا شهدوا ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، واستقبلوا قبلتنا ، وأكلوا ذبيحتنا ، وصلوا صلاتنا ، حرمت علينا دماؤهم وأموالهم ، إلا بحقها ” ( نفس المصدر ) .
وقال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ” الإسلام هو الظاهر الذي عليه الناس ، شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وإقامة الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصيام شهر رمضان ” .
وقـال الإمام الباقر ( عليه السلام ) : ” والإسلام ما ظهر من قول وفعل ، وهو الذي عليه جماعة من الناس من الفرق كلها ، وبه حقنت الدماء ، وعليه جرت المواريث ، وجاز النكاح ، واجتمعوا على الصلاة والزكاة والصوم والحج ، فخرجوا بذلك عن الكفر وأضيفوا إلى الإيمان ” ( الفصول المهمة . شرف الدين . ص 23 ـ 24 ) .

والخلاصة : لدينا في الدين الإسلامي الحنيف ركائز ثابتة كثيرة للوحدة بين المسلمين ، منها : وحدة الرب ، ووحدة الرسول ، ووحدة الكتاب ، ووحدة القبلة ، ووحدة العبادات الأساسية ، مثل : الصلاة والصيام والحج والزكاة ، فجميع المسلمين متفقون على أصول الإيمان وأركان الإسلام ، ويمكن التغلب على الخلافات المذهبية الفكرية والسياسية : القومية والوطنية ، بالحكمة وبالرجوع إلى مبادئ الدين الإسلامي الحنيف وقيمه السامية وأحكامه السمحة .

والنتيجة : الوحدة الإسلامية ضرورة حضارية مهمة جدا لأمتنا الإسلامية في الماضي والحاضر والمستقبل ، حيث أنها تحمل رسالة السماء العظيمة ، وتبحث عن خلاصها وخلاص البشرية جمعاء ، فعلى جميع المسلمين التمسك بوحدتهم ، وهي الحقيقة العقلية والدينية والواقعية الراقية والسامية جدا ، والحذر من التباغض والتنازع والفرقة والتكفير لبعضهم والظلم والقتال ونصب المكائد والكمائن والتآمر مع الأجانب ونصرتهم على بعضهم البعض . وعليهم أن يقفوا صفا واحدا كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا في الدعوة إلى الله عز وجل ( كل بحسب ما يعتقد ) والدفاع عن الدين الإسلامي الحنيف الذي يتعرض لهجمات شرسة كل يوم ، وعن نبيه الكريم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الذي تداعى الأعداء للإساءة إليه في الغرب والشرق ، والدفاع عن بلاد المسلمين ومقدراتهم ومصالحهم ، فلا يجوز أن يؤدي الاختلاف بين المسلمين إلى الفرقة والتنازع والتناحر والشقاق ، وقد أمرهم الله سبحانه وتعالى بالوحدة وحذرهم من الفرقة والتنازع وذكرهم بنتائجهما الوخيمة .
قال الله تعالى : { وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ } ( آل عمران : 103 ) .
الجدير بالذكر : أن وضع هذه النتيجة موضع التطبيق على أرض ، يتطلب رؤية واضحة ، وإخلاص في النية ، وإرادة قوية صحيحة ، وحسن الإدارة .

أيها الأحبة الأعزاء : علينا كمسلمين أن نقف باهتمام بالغ وبمسؤولية كبيرة أمام خطورة التنازع .. فنتيجة الحتمية ، هي : الضعف والفشل .
قول الله تعالى : { وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } ( الأنفال : 46 ) .

ونحن كمسلمين : نواجه اليوم أخطارا جدية محدقة بنا لم نواجه مثلها في أي وقت مضى ، وهي أخطار تهدد وجود الدين الإسلامي الحنيف ووجود المسلمين ومصالحهم الحيوية والجوهرية ، فحقوق المسلمين مهدورة ، وإرادتهم مسلوبة ، وثرواتهم منهوبة ، وأعراضهم منتهكة ، ودماؤهم تراق في الليل والنهار ، والحكومات عاجزة عن فعل أي شيء غير الشجب والاستنكار ، حتى أن مصر تضطر للخضوع للإرادة الصهيونية والأمريكية وتكون عاجزة عن فك الحصار عن غزة ، وتضطر الحكومات العربية للمشاركة في حصار الدول العربية كما حدث لإيران والعراق وليبيا وغيرهم . وقد لجأ الأعداء إلى توظيف الفتنة الطائفية وهي أخطر سلاح فتاك يستخدمه الأعداء ضد المسلمين ، ويصرفون عليها الأموال الطائلة من أجل تمرير أجندتهم الشيطانية الخبيثة ، واختراق ضمير الأمة وشعورها الإسلامي النبيل ، ليقف المسلمون بأنفسهم ضد مصالحهم الحيوية والجوهرية ، ويكونوا بحق وحقيقة أعداء أنفسهم .

مثال ( 1 ) من الماضي : لقد ثار الإمام الخميني العظيم ( قدس سره الشريف ) وأسقط حكومة الشاه ، ووقف ضد الاستكبار العالمي ، ونصر قضية العرب والمسلمين الأولى ، وهي : قضية فلسطين العزيزة ، وأصبحت إيران أكبر داعم لهذه القضية في العالم . وقد تفاعلت الشعوب الإسلامية إيجابيا مع هذه الثورة ، وأصبحت تشكل تهديدا جديا للكيان الصهيوني وقوى الاستكبار العالمي والحكومات المستبدة والدكتاتورية في العالم ، فلجأ شياطين الاستكبار العالمي والصهيونية والدكتاتورية والاستبداد إلى تحريك الحس الطائفي من أجل مواجهة هذه الثورة المباركة للقضاء عليها أو لإيقاف مدها ، وذلك للدور الذي تلعبه الجمهورية الإسلامية في نشر الوعي الإسلامي وإعادة المجد والعزة والكرامة للمسلمين وبعث الأمل في نفوسهم حيال المستقبل والوقوف ضد الدكتاتورية والاستبداد والصهيونية العالمية وقوى الاستكبار العالمي ، فكانت حرب صدام والتسويق إليها على أساس طائفي ، وتكوين بعض الحركات الإسلامية الجهادية على أساس طائفي كبديل عن خط الإمام الخميني العظيم ومحاربا له .

مثال ( 2 ) من الحاضر : تستعد أمريكا ( الشيطان الدموي الأكبر ) وحلفاؤها الصهاينة والعرب في الوقت الراهن إلى توجيه ضربة عسكرية جبارة ضد خط الممانعة للمشروع الصهيو / أمريكي المتمثل في الجمهورية الإسلامية في إيران وسوريا وحزب الله في لبنان وحماس والجهاد الإسلامي في فلسطين وغيرهم ، والجديد هذه المرة هو تحالف بعض العرب المباشر والصريح مع الكيان الصهيوني ، ومن شأن ذلك أن يحرك الوجدان العربي والإسلامي ضدهم ، وليس لهم من سبيل لاختراق هذا الوجدان سوى تحريك الحس الطائفي ، ولهذا اشتد غضبهم على سوريا وحركتي : حماس والجهاد الإسلامي ، لأن وجودهم ضمن خط الممانعة من شأنه أن يكشف الأوراق التآمرية الخبيثة لحلفاء أمريكا والكيان الصهيوني من العرب ، فسوقوا إلى ما أسموه بالهلال الشيعي ، ودعوى تنفيذ الأجندة الإيرانية في المنطقة من قبل سوريا وحماس والجهاد الإسلامي ، كسبيل لخداع الرأي العام الإسلامي وتقبل تحالف بعض العرب مع أمريكا والكيان الصهيوني لضربهم ، ومن المفيد في هذا الشأن من أجل نشر الوعي بحقيقة الموقف ، التذكير بتحالف بعض العرب لأهداف سياسية مع قوى الاستكبار العالمي للإطاحة بالخلافة العثمانية ، وهي خلافة إسلامية سنية ، وقد قامت حكومات عربية معروفة على هذا الأساس .

أيها الأحبة الأعزاء : لا يوجد مسلم مخلص واحد يقبل أن يكون عنصرا يخدم أعداء الدين والإنسانية ويضر بالإسلام والمسلمين ، فعلى كل مسلم ( لاسيما العلماء والنخبة من كل طائفة ) أن يدرك خطورة الوضع الراهن ، حيث تواصل أيدي الاستكبار والتآمر والخيانة بمساندة جهال الأمة وسفهائها أعمالها الشيطانية الخبيثة في إيجاد الفرقة والتنازع والخصام بين المسلمين ، وأن يتحلى بالوعي على أساس فكري وديني وأخلاقي وسياسي ويتحمل المسؤولية : الدينية والقومية والوطنية في سبيل مواجهة القوى العظمى الجائرة ورد المظالم عن المسلمين والتمسك بحقوقهم وعزتهم وكرامتهم وميراثهم الفكري والروحي العريق ، لكي ينعم العالم الإسلامي بالأمن والاستقرار والتقدم والرخاء ويتحدد مصيره المشرق بين الأمم ، وذلك من خلال التمسك بتوحيد صفوف المسلمين ، وإذكاء روح الأخوة والمحبة والتعاون بينهم ، والوقوف في وجه الفتنة الطائفية ، ومواجهة تحريك الحس الطائفي لتبرير الوقوف مع الأعداء والتآمر معهم ضد المسلمين ، لأن التحالف مع أمريكا الشيطان الدموي الأكبر والكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين ، هو قطعا بخلاف المبادئ والقيم الإنسانية والإسلامية الكريمة ، وضد مصلحة الإسلام والمسلمين وقضيتهم المركزية : قضية فلسطين العزيزة .. وللعلم : لو كان العالم الإسلامي متحدا ، لما احتلت فلسطين العزيزة أو لما بقيت رازحة تحت الاحتلال كل هذه الفترة الزمنية الطويلة ، وللعلم أيضا : فإن هذا الوضع المزري الذي يعيشه المسلمون من شأنه أن يدخل الأذى إلى القلب المقدس للرسول الأعظم الكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهذا ما يأباه كل مسلم بحكم الفطرة والعقل والدين .
قال الله تعالى : { لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } ( التوبة : 128 ) .

وأعود واكرر : بأن وضع الوحدة الإسلامية موضع التطبيق ، يتطلب رؤية : فكرية وسياسية واضحة ، وإخلاص في النية ، وإرادة قوية صحيحة ، وحسن الإدارة ، وهي أمور نفتقدها للأسف عند الكثير من المحسوبين على القيادات والرموز الإسلامية .

ولهذا تصدى الإمام الخميني العظيم ( قدس سره الشريف ) بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران ، ودعا إلى يوم القدس العالمي وجعله في آخر جمعة من شهر رمضان المبارك في كل عام ، وإلى أسبوع الوحدة الإسلامية وجعله بين تاريخ : 12 / ربيع الأول ـ وهو تاريخ ولادة الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وفق المشهور لدى مدرسة الخلفاء ـ وتاريخ : 17 / ربيع الأول ـ وهو تاريخ ولادة الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وفق المشهور لدى مدرسة أهل البيت ( عليهم السلام ) ـ ليكون تعبيرا عن الضرورة الحضارية للتعايش السلمي والتضامن بين المسلمين ، وعلى أمل أن يأتي اليوم المبارك الذي تنتهي فيه السنوات الطويلة العجاف للتمزق والفرقة والشتات والتنازع بين المسلمين .

ويعتبر هذا التوجه الوحدوي : ضرورة حضارية يفرضها العقل السليم ، ومبادئ الدين الحنيف وقيمه السامية ، والواقعية التي تفرضها ضرورات الحياة ، ويقوم أسبوع الوحدة ـ بحسب تقديري ـ على ثلاثة أسس رئيسية ، وهي :

الأساس ( 1 ) : الوجود المقدس للرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وهو المحور الأساس الذي يقوم عليه هذا الأسبوع ، وهذا شيء واقعي لأن المسلمين كافة مجمعون على عشقه ومحبته .

الأساس ( 2 ) : المشتركات الفكرية والقضايا المشتركة ، مثل : القضية الفلسطينية والحقوق الطبيعية للمواطنين .

الأساس ( 3 ) : التحديات المشتركة ووحدة المصير ، فالأخطار المحدقة بالمسلمين لا تخص طائفة أو أبناء مذهب دون غيرهم ، ولا ينفصل مصير مذهب أو طائفة عن مصير غيرهم من المسلمين ، فالتحديات مشتركة ، ومصيرهم واحد .

والمطلوب بناء على ما سبق : أن يتفهم المسلمون الحقيقة : العقلية والدينية والواقعية لوحدتهم ، وأن يتفهموا خطورة المرحلة الراهنة . وعلى جميع أفراد النخبة والصفوة من العلماء الروحانيين والمفكرين والسياسيين ، السعي الحثيث والعمل الجاد والمنظم على تقوية أواصر المحبة بين المسلمين وإيجاد الجو الحضاري الهادئ القائم على أساس العدل والتضامن والتعايش السلمي والتسامح والحوار بينهم ، والتعامل برفق وحكمة وواقعية مع القضايا المختلف حولها على الساحة القومية أو الوطنية بهدف إقامة العدل وحفظ الأمن والاستقرار والتقدم والرخاء للمسلمين والمحافظة على مصالحهم الحيوية . وأن يلتزم العلماء والمثقفون والكتاب بالطرح العلمي والموضوعية التامة للمسائل الفكرية الخلافية ( العقائدية والفقهية ) بهدف معرفة الحق والتمسك به حيث لا يعبد الله عز وجل بغير الحق وهو السبيل الوحيد للخلاص في الآخرة ، مع التنبيه إلى بعض الأمور المهمة ، وهي :
الأمر ( 1 ) : يعتبر الحوار العلمي الهادئ والمنفتح هو السبيل السليم لتسوية القضايا العلمية الخلافية .
الأمر ( 2 ) : أن نتسم بالواقعية ولا نوهم أنفسنا بالاشتراك المطلق .
الأمر ( 3 ) : تجنب الأساليب التي من شأنها إخفاء الحقيقة وتضييعها على المسلمين أو إثارة الفرقة والتنازع والتناحر بينهم .
الأمر ( 4 ) : السعي لإقامة الأنشطة والفعاليات المشتركة التي تعزز روح الوحدة الإسلامية وتخدم المشتركات الوحدوية : الفكرية والسياسية وغيرها .
الأمر ( 5 ) : أن نعترف بأننا على وفاق في المشتركات ، وأن نحترس من التمترس خلف ثكنات اختلافاتنا .

وفي ختام هذه الكلمة : أنبه إلى الحذر من أربعة عناصر ترفض الوحدة بين المسلمين وتعمل ضدها ، وهي :

العنصر ( 1 ) الصهيونية وقوى الاستكبار العالمي : لأن هدفهم هو السيطرة على العالم الإسلامي ومقدراته ، ولا سبيل لهم إلى ذلك إذا كان المسلمين متوحدون ، فغايتهم الخبيثة وغير الشرعية لا تتحقق إلا إذا كان المسلمون متفرقون ومتناحرون ، فقاموا بالنفخ في الفتنة الطائفية ، وتوسيع الخلافات القومية والإقليمية ، والتوظيف الطائفي في الصراعات السياسية بين الحكومات والشعوب وبين الحكومات مع بعضها البعض ، كي ينشغل المسلمون بعضهم ببعض في صراعات داخلية طاحنة تضعفهم وتذهب بريحهم ، فيسهل عليهم السيطرة على المسلمين ، واحتلال أوطانهم ، ونهب ثرواتهم ومقدراتهم ، وفرض التخلف العلمي والحضاري عليهم ، وتخيب أمالهم في التقدم والرخاء والحياة الكريمة .

العنصر ( 2 ) الحكومات الدكتاتورية المستبدة : لأنها وجدت في الفتنة الطائفية وسيلة مثلى للمحافظة على كراسي الحكم ومواجهة طموحات الشعوب إلى الوحدة والعدل والحرية ، فلجأت إلى إثارة الفتنة الطائفية للإبقاء على علاقاتها التآمرية مع الصهيونية وقوى الاستكبار العالمي ضد دول عربية وإسلامية أخرى ، وإلى التوظيف الطائفي في الصراعات السياسية مع الشعوب ، بتحريض فئات من الشعب ضد فئات أخرى على أساس التضليل الطائفي : الفكري والسياسي ، في سبيل مواجهة المطالبة بالحقوق الشعبية الوطنية العادلة للشعوب والقضاء عليها .

العنصر ( 3 ) التكفيريون : حيث أعمى الله عز وجل بصيرتهم فلم يبصروا الحق والعدل في الكتاب والسنة ، فقاموا بتضخيم الاختلافات بين المسلمين وصرفوها عن واقعها وحقيقتها ، ونظروا إلى المذاهب الإسلامية وكأنها أديان مختلفة بدلا من النظر إليها على أنها مدارس في الدين الواحد ، ثم وجهوا سيوفهم لرقاب المسلمين وسهامهم السامة إلى عقولهم وقلوبهم ، من أجل أن ينتزعوا بالإرهاب من الآخرين الاعتراف بصحة أفكارهم ويلزموهم بها ، بدلا من توجيه سيوفهم إلى أعداء الدين والإنسانية ، متناسين قول الله سبحانه وتعالى : { لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ } ( البقرة : 255 ) .

العنصر ( 4 ) الجهال : الذين لا رؤيا لهم ولا رأي ، فهم كالأنعام : ينعقون مع كل ناعق ، ويميلون مع كل ريح ، فهم ضحايا التضليل الفكري والسياسي والإعلامي الكاذب . ولهذا ينبغي على التيارات الفكرية والقوى السياسية المخلصة شحذ هممهم لصالح التنمية الفكرية والروحية والأخلاقية والسياسية للشعوب ، وعدم الاستسلام أمام قوى الاستكبار العالمي والدكتاتورية والتيارات التكفيرية ، والإصرار على رفضها ومواجهة أجندتها الشيطانية عامة والفتنة الطائفية خاصة ، فالفتنة الطائفية هي السلاح الأكثر فتكا بالمسلمين في الوقت الحاضر ، مما يتطلب هبة إسلامية واعية ضد دعاة الفتنة الطائفية والفرقة بين المسلمين ، وتحصين الأمة الإسلامية ضدها وعدم السماح بانزلاق الأمة إليها .

أيها الأحبة الأعزاء ،،
أكتفي بهذا المقدار ،،
واستغفر الله الكريم الرحيم لي ولكم ،،
واعتذر لكم عن كل تقصير وخطأ ،،
واستودعكم الله الحافظ القادر من كل سوء ،،
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً

إغلاق