محاضرات وندوات عام 2005

كلمة الأستاذ في عيد الغدير

الموضوع : كلمة للأستاذ عبد الوهاب حسين .
العنوان : الغدير .. صراط الإنسانية .
المكان : قرية المقشع . مأتم المقشع .
اليوم : مساء الجمعة – ليلة السبت .
التاريخ : 17 / ذي الحجة / 1425هـ .
الموافق : 28 / يناير – كانون الثاني / 2005م .

أعوذ بالله السميع العليم ، من شر نفسي الأمارة بالسوء ، ومن شر الشيطان الرجيم .
بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين .
اللهم صل على النبي المصطفى ( محمد ) وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين .

اللهم ارحمنا بمحمد وآل محمد ، واهدي قلوبنا بمحمد وآل محمد ، وعرف بيننا وبين محمد وآل محمد ، واجمع بيننا وبين محمد وآل محمد ، ولا تفرق بيننا وبين محمد وآل محمد طرفة عين أبدا .. في الدنيا والآخرة يا كريم .

اللهم معهم .. معهم .. لا مع أعدائهم .

السلام عليكم أيها الأحبة ..
أيها الأخوة والأخوات في الله ورحمة الله تعالى وبركاته .

في البداية : نرفع أسمى التهاني إلى المقام المعظم لإمامنا ومولانا وسيدنا وشفيعنا يوم القيامة : ( الحجة بن الحسن العسكري – أرواحنا لتراب مقدمه الفداء ) وإلى مقامات مراجع الأمة وفقهائها وعلمائها ، وإلى كافة المؤمنين والمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ، وإليكم أيها الأحبة الأعزاء ، بمناسبة الذكرى السنوية السعيدة لعيد الغدير الأغر .

أيها الأحبة الأعزاء : عنوان الحديث لهذه الليلة : ( الغدير .. صراط الإنسانية ) وفيه ست مسائل رئيسية .. وهي :

المسألة الأولى – عيد الغدير ونعمة الهداية : يرتبط عيد الغدير الأغر جوهريا بنعمة الهداية التي فرضها الله سبحانه وتعالى على نفسه للناس ، من أجل صيانة كرامتهم الإنسانية ، ووصولهم لكمالهم المنشود وغاية وجودهم ، وبعث الأنبياء والرسل ( عليهم السلام ) بها إليهم مبشرين ومنذرين .

والهداية الربانية .. أيها الأعزاء : هي الصراط الوحيد للإنسانية الراشدة وضرورة من ضرورياتها ، إذ بدونها يفقد الإنسان إنسانيته وسعادته ، ويهوي إلى وادي الحيوانية السحيق وشقائه ، وهي الطريق إلى النعيم الذي لا يزول ، وهي بذلك أعظم نعمة أنعم الله ذو الجلال والإكرام بها على الإنسان .

قال الله تعالى : { أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون } ( الأنعام : 122 ) .

وتعتبر الحاجة إلى الهداية الربانية : حاجة ثابتة للإنسان من أول الدنيا إلى آخرها .

قال الله تعالى : { قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى . ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى . قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا . قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى } ( طه : 122- 126 ) .

وعلى ذلك : فإن الهداية الربانية يجب أن تستمر بعد الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم .. إلى يوم القيامة ، وان انقطاع النبوة والرسالة ، لا يعني توقف الهداية الربانية بأي حال من الأحوال .

وقال الله تعالى : { إنما أنت منذر ولكل قوم هاد ) { الرعد : 7 ) .

المسألة الثانية – سبيلي الهداية الإنسانية : للهداية الإنسانية سبيلين تراتبيين يسبق أحدهما الآخر .. وهما :

السبيل الأول – رؤية سبيل الحق : حيث جُهز الإنسان بالفطرة السليمة النقية التي تقوده للتوجه إلى الكون والنظر فيه بروح منفتحة شفافة ، ليكتشف ما فيه من دقة التصميم والهدفية والإبداع ، وتنتهي إلى إدراك الإنسان : مكانه من هذا الوجود ، وطريقه في الحياة ، ورسالته ودوره وعمله وتحديد سلوكه الرشيد فيها ، وغاية وجوده .

ومن خلال ذلك : تتحدد علاقة الإنسان بربه ونفسه ومجتمعه .

السبيل الثاني – قصد السبيل : أي سلوك طريق الإنسانية إلى الله سبحانه وتعالى ، والعمل بطاعته جل جلاله .

وقبل أن أدخل في بيان تفاصيل هذا السبيل المقدس العظيم ، أرى من المفيد توضيح معاني مفردات : ( قصد السبيل ) .

السبيل : يعني .. الطريق .
والقصد له معاني عديدة .. منها :
أولا – فيما يخص الطريق : الاستقامة ، والاستواء ، والسهولة ، والقرب .
ثانيا – فيما يخص السلوك : التوجه إلى الشيء عامدا ، والتوسط ( أي : عدم الإفراط أو التفريط ) والعدل ، وكلها مطلوبة في طريق الهداية التي يسلكها الإنسان .

أيها الأحبة الأعزاء : بعد أن يتبين الإنسان طريقه في الحياة ، ينهج ذلك الطريق ويكابد ويعاني مشاقه .. حتي يصل إلى غايته فيها ، فالعلم مقدمة للعمل ، ولا قيمة للعلم بدون العمل .. وأن الغاية في طريق الحياة : أن تسمو نفس الإنسان وتتصاعد قاصدة العالم العلوي ، عالم الحقائق والشهود ، حتى تبلغ الأوج وتصل إلى الذروة ، وتصبح أهلا إلى رؤية الجلال والكمال والجمال الإلهي ، وهناك تميط الحضرة الإلهية اللثام لهذه النفس المقبلة بمعية ولي الله .. إذ لا يمكنها بلوغ ذلك بدون معيته ، فتشاهد النفس ما يتناسب مع حالها وإقبالها ، وتصطبغ بصبغة الحق ذي الجلال والإكرام ، ويصبح صاحب النفس إنسانا حقا ، بصيرا عارفا بماهية الحياة وأسرارها ، ويكون له فرقانا يرى به طريق الحق واضحا نيرا ، فلا يلتبس عليه الحق ، ولا تلتبس عليه الأمور في الحياة العامة أو الخاصة .

قال الله تعالى : { أو من كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات ليس بخارج منها }
( الأنعام : 122 ) .

وهنا أرغب في الإشارة إلى ثلاث حقائق مهمة تتعلق بهذه المسألة الجوهرية .. وهي :

الحقيقة الأولى : أنه لا إنسانية إلا بمعرفة الرب ذي الجلال والإكرام ، والأنس به ، والسلوك إليه . وأن كمال الإنسانية بقدر كمال الإيمان والوصول إلى حضرة القدس الإلهي ، والتحلي بأخلاق الجمال والجلال للرب المحمود .

الحقيقة الثانية : أن الوصول والتحلي بأخلاق الرب جل جلاله ، يؤدي إلى أن يصبح الإنسان مصدرا للخير والحق ، ويعامل الخلق كلهم أجمعين بالإنسانية التي اكتسبها ، وأن جميع المخلوقات تأنس به وتحبه .

الحقيقة الثالثة : أن الوصول إلى ساحة القدس ، يحتاج إلى خضوع الإنسان لله تعالى وعبوديته والعمل بأحكامه .. وزهد الإنسان في الدنيا ، لأن الدنيا تسد سمع الإنسان وتطمس على بصره ، وتجعل قلبه غافلا عن ذكر الله تعالى .

المسألة الثالثة – صراع العقل والنفس : لقد أكرم الله تعالى الإنسان بالفطرة السليمة والعقل النير الذي يميز به بين الحق والباطل والخير والشر ، ولكنه أودع فيه النفس الأمارة بالسوء ، وسلط عليه الشهوات والشيطان الرجيم الذي يسعى لغوايته وهلاكه .. ولله الحكمة البالغة .

فالإنسان في صراع دائم لا ينقطع : بين عقله الذي يدعوه إلى الهدى والفلاح والفوز بالجنة ، وبين نفسه الأمارة بالسوء التي تدعوه إلى الضلال والانحطاط والخسران المبين .. ليكون من حطب جهنم ( نعوذ بالله الرحمن الرحيم من ذلك الشر المستطير ) .

فكان من تمام نعمة الله الذي كتب على نفسه الرحمة : أن وضع له النظم والمناهج التي توصله إلى التغلب على النفس الأمارة بالسوء ، وسد منافذ الشيطان إليها ، إذ لا بد لقوة الخير والصلاح في الإنسان من مدد يعينها على سد منافذ الشر والشيطان .. فحمله الرب العزيز الحميد : أمانة التكليف ، وأمده بهداية الرسل ( عليهم السلام ) الذين هم نبراس البشرية والنماذج الكاملة فيها ، يبلغون رسالة ربهم ، ويخرجون من يؤمن بهم من الظلمات إلى النور ، ومن الشقاء إلى السعادة ، ويهدونهم سبيل الرشاد ، وصراط الإنسانية المستقيم ، حيث لا يمكن للإنسان أن يسلك ذلك الطريق ، ويصل إلى غايته في الحياة .. منفردا بدونهم .

المسألة الرابعة – الوظائف التي يقوم بها أئمة الهدى : يمثل أئمة الهدى ( عليهم السلام ) نبراس البشرية والنماذج الكاملة للإنسانية ، المستقرين في مرضاة الله سبحانه وتعالى والمخلصين في طاعته ، فهم أكمل الواصلين إلى الله ذي الجلال والإكرام والمتحلين بأخلاقه ، والذين حصلوا على الهداية المباشرة منه جل جلاله ، فأصبحوا سادة البشرية وقادتها إلى الله تعالى ، يخرجون الناس من ظلمات الكفر والجهل والشقاء إلى نور الإيمان والعلم والسعادة ، وينقذونهم من النار ويدخلونهم الجنة .. لا يضلون سبيل الهداية والسعادة الإنسانية أبدا .

قال الله تعالى : { وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم } ( الشورى : 52 ) .

ويقوم أئمة الهدى ( عليهم السلام ) بالوظائف الرئيسية التالية ..

الوظيفة الأولى : الهداية إلى الحق والكشف عن الزيغ والغواية من خلال التعاليم الإلهية الربانية ، بعيدا عن الغموض والتعقيد ، والتحريف والتبديل .

قال الله تعالى : { أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده } ( الأنعام : 90 ) .

الوظيفة الثانية : تربية الناس على الطاعة لله تبارك وتعالى والفضيلة ومحاسن الأخلاق ، وإعطائهم القدوة الحسنة من أنفسهم في ذلك ، إذ العلم لا يغني عن العمل ، ولا بد مع العلم من التربية والتهذيب والتوجيه السديد ، فالعلم سلاح ذو حدين .. فهو : يصلح للبناء والتعمير ، كما يصلح للهدم والتدمير ، وبلوغ الكمال الإنساني والوصول إلى حضرة القدس الإلهي يحتاج إلى العلم والعمل والتهذيب معا .

قال الله تعالى : { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر }
( الأحزاب : 21 ) .

وهنا يجب التنبيه : أن صدق الأتباع لأئمة الهدي ( عليهم السلام ) يفرض علينا الاقتداء بهم والتحلي بأخلاقهم .. من : العلم والاستقامة والعدل والرحمة والكرم والحنان والتسامح والشجاعة ، والحرص على الناس ، والسعي لإنقاذهم وإخراجهم من الظلمات إلى النور .. وغير ذلك من الفضائل ومحاسن الأخلاق ، ولا يصح منا القول أنهم ( عليهم السلام ) معصومون ، ونحن غير معصومين ، فهذا القول خلاف الحكمة والغاية ، وأنه لا قيمة للأتباع بدون الحرص على الاقتداء بهم والسعي للتخلق بأخلاقهم ( عليهم السلام ) .

الوظيفة الثالثة : يتولون تنظيم كافة جوانب الحياة في المجتمع الإنساني وقيادته على ضوء الشريعة المقدسة التي تغطيها بالكامل ولا تترك حاجة إلى شريعة غيرها ، لكي تصطبغ الحياة المجتمعية بصبغة الهداية ، وتكتسب الصبغة الإنسانية ونورها الرباني المشرق ، إذ بدون الهداية الربانية تفتقد الحياة المجتمعية الصبغة الإنسانية ونورها المشرق ، شأنها في ذلك شأن الحياة الفردية .

فالإنسان مدني بالطبع ، والحياة الإنسانية لا تنحصر في الأنشطة الفردية ، وإنما إلى جانبها الأنشطة المجتمعية ، وهي الأوسع ، وهي التي تحكم الأنشطة الفردية وتصبغها بلونها ( غالبا ) والاجتماع وسيلة للكمال البشري ، فلا يمكن للإنسان أن يصل إلى كماله بدون الحياة الاجتماعية ، وتطبيق الدين في المجتمع بقيادة أئمة الهدى ، ضرورة من أجل أن يصل الأفراد والمجتمع إلى كمالهما الإنساني ، ويكتسبا نور الإنسانية المشرق .. وذلك للأسباب الرئيسية التالية :

السبب الأول : أن الدين هو المنهج الوحيد الذي يصلح لبناء وتطوير الأفراد والمجتمع الإنساني .. ويحفظ لهما الصبغة الإنسانية .

السبب الثاني : أن الهداية الدينية الربانية للإنسان ، لا تنفصل بأي حال من الأحوال عن أئمة الهدى ، فهم وحدهم مصدرها ، ويتوجب التمسك بهم من أجل الحصول عليها .

قال الله تعالى : { اهدنا الصراط المستقيم . صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين }
( الفاتحة : 6 – 7 ) .

السبب الثالث : أن الدين هو أكبر مؤثر في نفوس الأفراد وأوضاع المجتمع ، ولا توجد أية قوة أخرى في الأرض تنافسه في ذلك التأثير .

ونخلص مما سبق إلى النتيجة التالية : أن حصر الدين في الأنشطة الفردية ، وفصل الحياة المجتمعية عن الدين وقيادة أئمة الهدى .. فيه : جهل بالدين ، وإهانة للرب جل جلاله ، وظلم للإنسانية .

المسألة الخامسة – ولاية أهل البيت تمثل الامتداد الطبيعي لخط الأنبياء ( عليهم جميعا السلام ) :

أيها الأحبة الأعزاء : إن حدث الغدير : يمثل الإعلان الرسمي بأمر الله تعالى عن ولاية أهل البيت ( عليهم السلام ) وأنهم الامتداد الطبيعي لخط الأنبياء ( صلوات الله عليهم أجمعين ) والتجسيد الأعظم لطريق الهداية الربانية للإنسانية بعد الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ، ويقومون بجميع وظائف الهداية للوصول بالإنسانية إلى غاية وجودها ، وأنه لا سبيل لإنسانية الفرد والمجتمع بدون ولايتهم ( عليهم السلام ) شأنهم في ذلك شأن الأنبياء ( صلوات الله عليهم جميعا ) كما سبق توضيحه .

فالغدير المعظم : يقدم للإنسانية النموذج الأول للهداة المهديين بعد الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) الذي يتصدى لقيادة البشرية وتوجيه الحياة على الصعيدين : الفردي والمجتمعي من خلال التعالم الربانية القرآنية ، الطافح قلبه بفيض العلوم والهداية ، الممزوج سلوكه بالفضيلة ، والذي ينفذ سياسة الفكر والهداية والفضيلة والعزة والكرامة والمصالح الراجحة ، المصفاة من لوث الأهواء والشهوات والعصبية ، وهو الطريق الذي أراده الله تعالى لعباده لينالوا منه أعظم عطاء ، وليصلوا إلى أعلى مراتب الإنسانية ، والقدوة الحسنة للناس ، والحجة عليهم جميعا ، الذي لا سبيل للأهواء النفسية إليه ، في مقابل صنوف القيادات الأخرى وأئمة الضلال ، الذين تتحكم فيهم الأهواء والرغبات والنظرات الضيقة ، فيميلون عن الحق ، ويغرقون الحياة تدريجيا في ظلام الجهل والضلال والغواية والذل والهوان ، باسم الواقعية المضلة والحكمة المعكوسة ، المنبعثة من مكامن الجهل والشهوة والضعف البشري والحمية الجاهلية .

الجدير بالذكر : أن ولاية أهل البيت ( عليهم السلام ) لا تعني المحبة والتقدم في العلم والفضل والتبليغ بالأحكام فحسب ، وإنما القيام بجميع وظائف الهداية الفردية والمجتمعية ، ومنها القيادة السياسية للأمة ، ولولا هذه الشمولية لولايتهم ( عليهم السلام ) لما حاربهم أعداء الحق والدين والإنسانية ، ونصبوا لهم ولشيعتهم العداء والخصومة ، وقتلوهم ، وشردوهم في شتى بقاع الأرض ، وملئوا منهم السجون والمعتقلات !!

ومن هذه المسألة نستدل على بعدين في ولاية أهل البيت عليهم السلام .. وهما :

البعد الفقهي : حيث فرض الله تعالى ولايتهم ( عليهم السلام ) على الناس بحكم القانون الشرعي .

البعد العقائدي : حيث يكتشف العقل بنوره الثاقب الحاجة الضرورية إلى ولايتهم ( عليهم السلام ) كسنة خالدة تؤمن الهداية للفرد والمجتمع ، وأنهم صراط الله والإنسانية المستقيم .

المسألة السادسة – النتائج المستخلصة من الحديث :

وفي نهاية الحديث : أرغب في الإشارة إلى بعض أهم النتائج التي نستخلصها منه .. وهي :

النتيجة الأولى : أن إقامة الدولة الإسلامية سبيل إلى الإنسانية الكاملة ، ولا سبيل إليها غير ذلك ، وهذا ينبهنا إلى خطورة المشاريع الوضعية المناهضة للمشروع الإسلامي على الإنسانية جمعاء ، أين كانت ، ومتى كانت .

النتيجة الثانية : أن الحاكم في غيبة المعصوم ، يجب أن تتوفر فيه الشروط اللازمة للتطبيق العادل للشريعة المقدسة .. مثل : العلم بالشريعة ، والعدالة ، والكفاءة المهنية .

النتيجة الثالثة : أن تكليف العلماء وطلاب العلوم الدينية والمؤمنين في عصر الغيبة ، ليس الدراسة والتدريس للعلوم الدينية فحسب ، وإنما السعي إلى تطبيقها ، وإقامة العدل ، والمحافظة على حقوق الإنسان وكرامته بتحريره من الشهوات والاستعباد ، وإزالة كافة العوائق أمام إقامة الحكم الإسلامي العادل .

ومن شأن القيام بهذا التكليف : أن يساهم في تحصيل الفهم الواقعي للدين الحنيف ، كما سبق توضيحه في مقال : ( دور العلماء الروحانيين في المجتمع ) .

النتيجة الرابعة : أن تقاعس العلماء والمؤمنين عن مواجهة الظلم والانحراف في جميع الأحوال في كل زمان ومكان ، يؤدي إلى شيوع الظلم والانحراف ، وعزل الدين عن الحياة ، وهذا مرفوض عقلا وشرعا وهو خلاف الحكمة من الدين ، والقيام بوظيفة المقاومة للظلم والانحراف ، وهي تكليف إنساني رباني ( عقلي وشرعي ) .. يحتاج إلى : إرادة قوية وحسن التدبير .

النتيجة الخامسة : أن السياسة تهم كل إنسان بما هو إنسان ، وأن تخلي الإنسان عنها يؤدي إلى أن يفقد نصيبا من إنسانيته ومقامه المعنوي الرفيع .

النتيجة السادسة : أن الكسل والضعف وحب الدنيا والتهالك على حطامها الزائل ، من أخطر أعداء الإنسان وأسباب حرمانه من المقامات المعنوية العالية في الدنيا والآخرة .. وأن هذه الصفات : أخطر علينا من الأعداء الخارجيين ، فلنكن على حذر منها ، وأن يكون لنا التصميم والشجاعة ، وأن نتواصى بالحق ، ونتواصى بالصبر ، ونتواصى بالمرحمة ، في سبيل العزة والكرامة والسمو والرفعة والمقام المحمود عند الله تعالى .

النتيجة السابعة : من آفات السياسة : ضيق الأفق ، والضعف المعنوي ، وضعف الإرادة ، وغياب المشاعر الإنسانية ، والابتعاد عن القيم والمبادئ الشرعية والإنسانية العالية ، وتحكم الأهواء والشهوات والمصالح الشخصية ، وضعف الكفاءة المهنية ، والجمود والتحجر والالتقاط .. لدى صناع القرار على الصعيدين : الرسمي والشعبي .

وفي الختام أيها الأحبة الأعزاء : ليكن من شعاراتنا التي نحملها باستمرار في الحياة : ( الإسلام طريقنا في الحياة ، ولن نتخلى عنه تحت تأثير الشهوات أو تهديد السلاح ) .

أكتفي بهذا المقدار ..
واستغفر الله الكريم الرحيم لي ولكم ..
واستودعكم الله القادر الحافظ من كل سوء ..
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.