الأسئلة والأجوبة

مجموعة الأسئلة والأجوبة رقم – 39

أسئلة وأجوبة ( 39 )

الموضوع : أجوبة الأستاذ عبد الوهاب حسين على بعض الأسئلة التي وردت إليه في الأيام الأخيرة .
التاريخ : 5 / محرم / 1427هـ .
الموافق : 4 / فبراير ـ شباط / 2006م .

السؤال ( 1 ) : في ظل التطورات الإقليمية ( خاصة في العراق ولبنان ) والمحلية ، تتصاعد عندنا في البحرين الوتيرة الطائفية . ما هو تعليق الأستاذ عبد الوهاب حسين على ذلك ؟

الجواب ( 1 ) : وفيه نقاط عديدة .. منها :

النقطة الأولى : الطائفية تمثل توجها ظلاميا ظالما خاطئا ( غير واقعي وغير إنساني وغير متحضر ) في التفكير وفي العلاقات الاجتماعية . فهي تقوم على أساس نظرة فكرية تحتكر الحقيقة كلها بيد الطائفة ، وقيم أخلاقية وسلوكية استعلائية ، وشعور كاذب بالتفوق على الآخرين والتعصب الأعمى ضدهم ، وإعطاء النفس حق التميز على الآخرين في الحقوق والواجبات ، وحرمانهم من حقوقهم المشروعة وممارسة الظلم ضدهم . فالطائفية تسمح بإعطاء طائفة معينة امتيازات وحقوق ، وتهدر حقوق طوائف أخرى وتظلمهم وتحرمهم من حقهم في المساواة معها .

النقطة الثانية : تترتب على الطائفية نتائج وخيمة وخطيرة جدا على الدين والإنسانية والمجتمع ، فهي تقضي على شمولية القيم الإيجابية كالعدل والفضيلة في حياة الإنسان ، وتركز المعايير المزدوجة في النظر إلى الحقوق والواجبات ، فهي لا تحترم إنسانية الطوائف الأخرى ، وتسمح بهدر حقوقهم وظلمهم على أساس الاختلاف في الدين وغيره ، والطائفية الدينية توحي بأن الدين والرب هما الأساس الذي يقوم عليه هذا التمييز ، مما يسيء إلى الدين والرب ( جل جلاله ) ويضرب أساس الوحدة والتماسك والثقة المتبادلة بين المسلمين والمواطنين ، ويثير الخصومة والحقد والتناحر بينهم ، ويؤدي إلى الانقسامات العمودية في كيان الأمة والشعوب الإسلامية . وهذا بلا شك يهدد أمنهم واستقرارهم ويؤدي إلى ضعفهم وتخلفهم . وقد تدفع ممارسة الطائفية من يقع ضدهم التمييز والظلم للاستعانة بالخارج من أجل الحماية والحصول على الحقوق العادلة ، مما يكون له الأثر الضار بالتكوين الوطني والإسلامي ، وهذا ليس ذنبهم بقدر ما هو ذنب من يمارس الطائفية القذرة ضدهم .

الجدير بالذكر : أن السبيل إلى المحافظة على اللحمة الوطنية والإسلامية ليس هو التخوين والإدانة ، وإنما هو العدل والمساواة بين المسلمين والمواطنين في الحقوق والواجبات .

النقطة الثالثة : التوجهات الطائفية الدينية من أخطر الأشياء على الدين والأمة ومصالح الشعوب الإسلامية ووعيها .. ففي لعبة الطائفية القذرة : يخلط الدين الطاهر بالنوايا السيئة القذرة ، في سبيل مصالح دنيوية قذرة ، لأصحاب المصالح القذرين . ويسخر في لعبة الطائفية الدينية القذرة المتدينون البسطاء الطيبون ، وتوظف العاطفية الدينية النبيلة ضد مبادئ الدين وقيمه السامية ومقاصده العالية ، مما يمثل اختراقا مخيفا للوعي الديني ، وخطرا حقيقيا على الدين والإنسانية والأمة والوطن .

والخلاصة : أن الطائفية تمثل عقدة ذاتية وأزمة في التفكير والأخلاق والسلوك ، وتلحق الضرر البليغ بالدين والإنسان والمجتمع .

النقطة الرابعة : إن القذرين القائمين على لعبة الطائفية الدينية القذرة ، يخلطون بين أمور ليست من الطائفية بأمور أخرى قذرة داخلة فيها ، في سبيل قلب الموازين ، وتشويش الرؤية على الناس البسطاء والمؤمنين الطيبين ، والوصول إلى أهدافهم الطائفية القذرة من خلال هذه الوسائل القذرة . فليس من الطائفية الاعتزاز بالانتماء الفكري والعقائدي لفكر ديني أصيل منفتح على كافة البشر لطائفة دينية معينة ، والدفاع العلمي الموضوعي المستميت والقوي والصادق عنه ، بحثا عن الحقيقة ونشرها بين الناس . وليس من الطائفية الانطلاق منه لخدمة البشرية والإنسانية المعذبة والوطن والمواطنين ، بل هو حق ( أصيل ) للإنسان ، تفرضه كرامته وغاية وجوده ، ومفهوم الدين وقيمته في حياة الإنسان . وقد أقرت الأديان السماوية والمواثيق الدولية للإنسان بهذا الحق . وليس من الطائفية مطالبة طائفة معينة بحقوقها المشروعة ، أو سعيها لرفع الظلم أو الضيم الواقع على أبنائها ، أو مطالبتها بالعدل والمساواة في الحقوق والواجبات بين أبنائها وبين سائر المواطنين ، بل هو حق لها ، وواجب ديني وإنساني على غيرها أن يمنحوه لها . ومن الطائفية زعم طائفة أن الحقيقة حصرا عليها وحدها ، وأن الحقيقة تدور معها بما هي طائفة وليس من خلال مصادرها العلمية المقررة ، وانغلاق الطائفة الفكري والنفسي على نفسها عن غيرها من الطوائف ، وإثارة الحماس والتحيز والتعصب الأعمى في نفوس المؤمنين بها ضد غيرهم ، وسعيها للحصول على مكاسب وامتيازات خاصة ( أو القبول بها ) على حساب مصالح وحقوق مشروعة لطوائف أخرى .

وأعتقد جازما : أن هذه الطائفية الدينية ليست من الدين الإسلامي في شيء ، بل ليست من الإنسانية في شيء ، وهي من توجهات اليهود التي انتقدها القرآن الكريم بشدة ، بوصفها توجهات غير دينية وغير إنسانية وغير حضارية ، ولا يمكن أن يقبلها لأحد من المسلمين .

قال الله تعالى : { وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَآئِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُواْ لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } ( آل عمران : 75 ) .

النقطة الخامسة : أنصح كافة إخواني المواطنين في البحرين بأن يفتحوا عقولهم وقلوبهم ووجدانهم على الدين كله والوطن كله والمواطنين كلهم ، وأن يعتبروا البحرين وطنا لجميع أبنائه ، وأن يكونوا ( كما أمرهم الله تبارك وتعالى ) إخوانا متوادين تجمعهم المواطنة الواحدة والإنسانية والدين الواحد ، وأن يدعوا إلى المساواة في الحقوق والواجبات بين أبناء الوطن والدين الواحد ، وأن يحرصوا على ذلك ( بإيمانهم وتقواهم وواقعيتهم ) كل الحرص ، وأن يسعوا لجعله أمرا واقعا في بلدهم العزيز البحرين ، وأن يكونوا يدا واحدة في سبيل إقرار الحق ، وإقامة العدل بين كافة المواطنين ، وبناء النظام العادل ودولة القانون والمؤسسات ، ونشر الفضيلة ، والمحافظة على أمن الوطن واستقراره وصيانة استقلاله ، وتحقيق التقدم والرخاء لكافة أبنائه ، ليكونوا بذلك الوجه المشرق للدين الإسلامي الحنيف . وأحذرهم من الظلم والانجرار وراء الطائفيين القذرين وتوجهاتهم القذرة ، فإن الانجرار وراءها لن يكون إلا على حساب دينهم وإنسانيتهم ووطنيتهم ومصالحهم الخاصة والعامة : الدينية والوطنية .. حمى الله ( العظيم الكريم ) البحرين من شرور الطائفية .

وأنبه في نهاية الإجابة على السؤال : بأن سيادة الروح الإسلامية والوطنية الطاهرة البعيدة عن التوجهات الطائفية القذرة ، لن تتحقق على أرض الواقع بين المواطنين ، إلا مع وجود خطاب قيادي متعدد ، يتناول هموم كافة المواطنين في هذا الاتجاه الصحيح ، ويتصف بالصدق والجرأة والقوة .

السؤال ( 2 ) : جاء في زيارة عاشوراء المشهورة وصف مصرع الإمام الحسين ( عليه السلام ) في كربلاء بأنه ” مصيبة ما أعظمها وأعظم رزيتها في الإسلام وفي جميع السماوات والأرض ” .
( أ ) : ما هي الأبعاد التي أعطت مصرع الإمام الحسين ( عليه السلام ) في كربلاء كل هذه الحقيقة التي تلين لها القلوب وتقشعر منها الأبدان ؟
( ب ) : ألا ترى بأن وصف المصرع بالمصيبة ، وهيمنة الطابع المأساوي على الإحياء ، يبرز صورة الانكسار أكثر من صورة العزة والشموخ التي يفترض أن تكون هي الأبرز والأنسب في الإحياء ؟
( ج ) : هل تنشأ من حقيقة المصيبة ( كما في وصف الزيارة ) مسؤولية على المؤمنين ؟

الجواب ( 2 ـ أ ) : وفيه نقاط عديدة .. منها :

النقطة الأولى : أن وصف الإمام الباقر ( عليه السلام ) لمصرع الإمام الحسين ( عليه السلام ) بهذا الوصف في الزيارة المذكورة ، ليس فيه أي شيء من المبالغة ، بل هو عين الحقيقة وكبدها ، فالإمام الباقر ( عليه السلام ) معصوم ولا يقول إلا الحقيقة كما هي .

النقطة الثانية : توجد في مصرع الإمام الحسين ( عليه السلام ) في كربلاء أبعاد عديدة تجعل له هذه الحقيقة العظيمة التي وصفها الإمام الباقر ( عليه السلام ) في الزيارة المذكورة بكل ما فيها من جلال .. والأبعاد هي :

البعد الأول : أن مصرع الإمام الحسين ( عليه السلام ) على يد جيش ( يزيد بن معاوية ) في كربلاء ، يمثل اعتداءا على الله ( جل جلاله ) وعلى الدين الحنيف والكتاب المقدس وعلى الأنبياء والأولياء الصالحين ، وذلك لأن الله ( تبارك وتعالى ) خلق الإنسان وتكفل بهدايته وإيصاله إلى سعادته ، وأنزل الكتب وبعث الأنبياء والرسل ونصب الأوصياء لهذا الغرض الإلهي العظيم . وأن قـتل جـيش ( يزيد بن معاوية ) للإمام الحسين ( عليه السلام ) في كربلاء .. يعني في الحقيقة والواقع : أن يزيد وجيشه يقولون لا إلى الله ، ولا إلى دينه ، ولا إلى كتبه ، ولا إلى رسله وأوليائه .. نعم إلى حكم الطاغوت . فقد عطلوا الكتاب ، أبعدوا أولياء الله الصالحين عن مناصبهم التي نصبهم الله ( جل جلاله ) فيها وقتلوهم ، وحكموا الناس بالنار والحديد .

البعد الثاني : أن الذي قتل الإمام الحسين ( عليه السلام ) هو جيش الخلافة الإسلامية التي يفترض فيه أنه يحمي الدين والكتاب والأولياء الصالحين ويقيم العدل وينشر الفضيلة بين الناس ، ولم يقتل الإمام الحسين ( عليه السلام ) على يد أبناء دين آخر . فلو قتل الإمام الحسين ( عليه السلام ) على يد اليهود أو النصارى أو أبناء أي دين آخر لكانت المصيبة أهون ، لأن ذلك يحفظ ( من الناحية النظرية على الأقل ) لله وللدين وللكتب السماوية وللرسل ولأولياء الله الصالحين مقامهم ، لأن القتلة يستطيعون ( من الناحية النظرية على الأقل ) أن يقولوا بأنهم لم يعتدوا بقتلهم الإمام الحسين ( عليه السلام ) على اللـه ( جل جلاله ) ولا على كتبه ولا على رسله ولا على أوليائه من خلال الاعتداء على الإمام الحسين ( عليه السلام ) لأنه عندهم ليس بالمقام الذي له في الإسلام . أما أن يقتل الإمام الحسين ( عليه السلام ) وهو سبط الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وسيد شباب أهل الجنة ( بحسب عقيدة جميع المسلمين ) على يد جيش الخلافة الإسلامية ، فذلك يعني وقوع الاعتداء على اللـه ( جل جلاله ) وعلى كتبه وعلى أنبيائه ورسله وعلى أوليائه الصالحين .. وذلك أمر شنيع وفظيع .

البعد الثالث : أن أهل الكوفة يعتقدون ضلال ( يزيد بن معاوية ) وظلمه ، وأنهم استنجدوا بالإمام الحسين ( عليه السلام ) من أجل هدايتهم وإقامة العدل ونشر الفضيلة بينهم وتخليصهم من ( يزيد ) فهب الإمام الحسين ( عليه السلام ) من أجل نجدتهم ، ولكنهم تحت تأثير الطمع والخوف خانوه وانقلبوا عليه ووقفوا إلى صف عـدوه وعدوهم ( يزيد بن معاوية ) ولم يقبلوا حتى الوقوف على الحياد بينه وبين عدوه ، وأصروا على نزوله على حكم ( يزيد بن معاوية ) أو قتله ( وقد قتلوه فعلا ) وهذا يعني أنهم في موقفهم من الإمام الحسين ( عليه السلام ) وقتله ، قد تجاوزوا كل القيم الإنسانية وليس القيم الدينية فحسب .

ونخلص من ذلك إلى نتيجة ( هي ) في غاية الخطورة وهي : أن جيش ( يزيد بن معاوية ) قد سحق في كربلاء كافة المقدسات ، فلم يبق أي مقدس لم يسحقه هذا الجيش اللعين في كربلاء ، وسحق معها كافة القيم الدينية والإنسانية على السواء ، وكان مستعدا لأن يفعل أي شيء ، ولم يوجد أي رادع يردعه عن فعل أي شيء . فلم يحترم هذا الجيش أية عهود أو مواثيق أو مبادئ أو قيم أو أخلاق أو دين . وعلى ضوء ذلك نستطيع أن نفهم التفاصيل التي وردت في الكيفية التي قتل عليها الإمام الشهيد الحسين بن علي ( عليهما السلام ) وحرق الخيام التي كانت تأوي أطفاله ونسائه ، ورفع الرؤوس على الرماح ، والاعتداء على الأطفال والنساء وأسرهم ونقلهم مع الرؤوس إلى الشام .

نعم أنها ” مصيبة ما أعظمها وأعظم رزيتها في الإسلام وفي جميع السماوات والأرض ” .

الجواب ( 2 ـ ب ) : وفيه نقاط عديدة .. منها :

النقطة الأولى : لا يتعارض وصف المصرع بالمصيبة ، ولا إبراز الجانب المأساوي في المصرع ، بل لا يتعارض الشعور بالهضيمة والانكسار مع العزة والشموخ المفترض إبرازهما في الإحياء .. بل ذلك كله أمرا طبيعي .

النقطة الثانية : أن الجوانب السلبية ( من الناحية القيمية ) في السلوك ، التي تبرز ( بحسب تصوير بعض الخطباء والكتاب ) في المواقف الحسينية في كربلاء وتتنافى مع العزة والشموخ ، هي ليست ( قطعا ) وليدة التصوير الصحيح والدقيق للحدث ، وإنما هي وليدة إدخال بعض الخطباء والكتاب مفاهيمهم القيمية الخاصة الخاطئة في تصوير الحدث . والمطلوب هو النقل الصحيح والدقيق للحدث ( الأقوال والأفعال ) وتفسيرها وشرحها على ضوء المفاهيم الإسلامية الصحيحة المأخوذة من القرآن والسنة وفق منهج علمي صحيح .

الجواب ( 2 ـ ج ) : وفيه نقاط عديدة .. منها :

النقطة الأولى : أن قيمة الإحياء تتمثل في الاقتراب من الإمام الحسين ( عليه السلام ) والاقتداء به في إيمانه وسلوكه وعلاقته بالدين وبالناس ، وليس في مجرد الحضور إلى المأتم والبكاء ولبس الأسود والمشاركة في المسيرات العزائية .. وعليه يتوقف الثواب . فمن يحضر المأتم ويبكي على الإمام الحسين ( عليه السلام ) ويشارك في المسيرات العزائية ، ولكنه يمارس الظلم أو يعين الظالمين أو يقبل بالظلم ، فهو في معسكر ( يزيد بن معاوية ) ومن يقتدي بالإمام الحسين ( عليه السلام ) في إيمانه وسلوكه وعلاقته بالدين وبالناس ، ويرفض الظلم ، ويقاوم الظالمين ، ويسعي لإقامة العدل ونشـر الفضيلة بين الناس ، فهو في معسكر الإمام الحسين ( عليه السلام ) وإن لم يحضر المأتم ولم يبك ولم يشارك في المسيرات العزائية .. مع التأكيد على أهمية وقيمة الحضور إلى المأتم والبكاء والمشاركة في المسيرات العزائية .

النقطة الثانية : ينبغي الحذر من شخصنة الإحياء ، وذلك بالجمود في عملية الإحياء على شخص الإمام الحسين ( عليه السلام ) وشخص ( يزيد بن معاوية ) والاكتفاء في الإحياء بسرد الحوادث والوقوف عند حدودها والتفاعل الوجداني معها كحوادث جامدة ، دون البحث عما ورائها من الأفكار والقيم المتحركة والتفاعل الوجداني وبالمواقف معها على مدى التاريخ .. فهو أمر غير ذي قيمة وخطير على وعي الإنسان وإنسانيته . فقد استشهد الإمام الحسين ( عليه السلام ) وأصحابه وذهبوا إلى جنات النعيم ، ثم هلك يزيد وجنوده وذهبوا إلى الجحيم وبـأس المصير ، وأن الوقوف في إحياء الذكرى على أشخاص الطرفين والاكتفاء بمجرد سرد الحوادث والتفاعل الوجداني في حدودها ، دون الانتقال إلى الأفكار والقيم المتحركة التي تقف ورائها والتفاعل الوجداني وبالمواقف معها على مدى التاريخ ، يفقد الإحياء قيمته الإنسانية الفعلية المطلوبة التي أرادها أهل البيت ( عليهم السلام ) من الإحياء للذكرى على مدى التاريخ .

أيها الأحبة الأعزاء : أن قيمة الإحياء إنما توجد بالوقوف على الأفكار والمبادئ والقيم والخط والمنهج التي تقف وراء المواقف والسلوك لكلا الطرفين ، والتمسك بما كان منها في معسكر الإمام الحسين ( عليه السلام ) والبراءة والابتعاد عما كان منها في معسكر يزيد .

والخلاصة : يجب أن ننظر ونتفاعل مع الإمام الحسين ( عليه السلام ) ومعسكره كقيمة إيجابية ، ومع ( يزيد بن معاوية ) ومعسكره كقيمة سلبية ، من خلال الوقوف على الأفكار والمبادئ والقيم الأخلاقية والروحية التي هي وراء المواقف والسلوك لدى المعسكرين ، ثم التمسك بما كان منها في معسكر الإمام الحسين ( عليه السلام ) والبراءة والابتعاد عما كان منها في معسكر يزيد .

النقطة الثالثة : من المبادئ الأساسية التي يجب أن نأخذها من معسكر الإمام الحسين ( عليه السلام ) ونتمسك بها ، المبدأ الذي أوصى به أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ولديه : الحسن والحسين ( عليهم جميعا السلام ) قال : ” كونا للظالم خصما وللمظلوم عونا ” ( نهج البلاغة . كتاب 47 ) فقد كان معسكر الإمام الحسين ( عليه السلام ) التجسيد الأعظم لهذا المبدأ ، ومعسكر ( يزيد بن معاوية ) الخيانة العظمى له .

والخلاصة : أن الإنسان المؤمن وكل إنسان شريف ، يقف موقفا مبدئيا صارما من الظلم والظالمين ، ولا يقف على الحياد بين الظالم والمظلوم ، فكل من لم يقف مع المظلوم ( بأي شكل من الأشكال ) فقد وقف مع الظالم .

النقطة الرابعة : إن الله ( جل جلاله ) خلق الحياة الدنيا والموت والحياة لكي يبتلي إنسانية الإنسان ، وأن الإمام الحسين ( عليه السلام ) وأصحابه ( رضوان الله تعالى عليهم ) بلغوا بمواقفهم الإنسانية العظيمة في كربلاء قمة الإنسانية وذروتها ، وتبوؤوا المكان الأعلى في الجنة ، وأن ( يزيد بن معاوية ) وجنوده بمواقفهم المخزية في كربلاء بلغوا الذروة في الانحطاط والانسلاخ التام من الإنسانية ، وسقطوا إلى المكان الأسفل في جهنم ، وأن كل إنسان مبتلى في إنسانيته من خلال أفكاره وقيمه ومواقفه ، ومن أهمها المواقف من الظلم والظالمين ، فكل من يقف إلى صف المظلومين وينصرهم بلسانه ويده وما يملك ، فقد وضع قدميه على معرج من معارج الكمال الإنساني والارتقاء إلى الدرجات العالية في الجنة ، وكل من وقف إلى صف الظالمين أو المتفرجين ، فقد وضع قدميه على منزلق من مزالق النار وبأس المصير .. فالحذر .. الحذر أيها الناس .

النقطة الخامسة : يتفاوت المحسوبون على المؤمنين في المواقف من الظلم والظالمين ، فهناك المؤمنون الصادقون المضحون الذين هـم على شاكلة الحسين ( عليه السلام ) وأصحابـه ( رضوان الله تعالى عليهم ) وهناك الضعفاء المتفرجون الذين يمتلكون فضيلة الاعتراف بالضعف ، وهناك الضعفاء المكابرون الذين لا يعترفون بضعفهم ، ويحاولون وضع المفاهيم والأحكام التي تبرر مواقفهم الضعيفة ، وهؤلاء هم الأسوأ والأخطر على الدين والمجتمع ، لأن عملهم يؤدي إلى إعماء البصيرة العامة وإضعاف الموقف العام للمجتمع ، ليس في موقف محدد ، ولا في مكان وزمان معينين ، وإنما لكل الأمة وعلى مدى التاريخ ، وهم ( بعملهم هذا ) المسؤولون عن تراكم التخلف والضعف والظلم والاستبداد في العالم الإسلامي لقرون عديدة ، فلهم الخزي والعار في الدنيا والآخرة ، وعلينا ( جميعا ) الحذر والبراءة منهم ومن مواقفهم المخزية وعملهم السيئ .

والخلاصة : حدد أيها الإنسان اتجاهك وموقفك من الظلم والظالمين ، لتحدد بذلك قيمتك الإنسانية ومكانك في الجنة أو النار ، والمسؤولية في ذلك تقع عليك وحدك .

أيها الأحبة الأعزاء
أكتفي بهذا المقدار
واستغفر الله الكريم الرحيم لي ولكم
واستودعكم الله الحافظ القادر من كل سوء
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.