الأسئلة والأجوبة

مجموعة الأسئلة والأجوبة رقم – 10

مجموعة الأسئلة والأجوبة رقم – 10

الموضوع : أجوبة الأستاذ على بعض الأسئلة التي وردت إليه في الأيام الأخيرة .
التاريخ : 22 / جمادى الثانية / 1425 هـ .
الموافق : 8 / أغسطس – آب / 2004 م .

السؤال ( 1 ) : هل يمكن أن تتحول المراقبة والتحليل والنقد الشعبي لأداء القيادات والرموز والمؤسسات والمحاسبة عليه إلى عامل إضعاف لها في المواقف ؟

الجواب ( 1 ) : لا يمكن ذلك إذا كانت القيادات والرموز صادقة في خدمة المصالح الشعبية وتمثيل الجماهير والتحدث باسمها ، وترقى إلى المستوى المطلوب منها في الأداء والقوة والثبات الذي تتطلبه المواقف ، وليست تعاني من سوء الأداء والضعف والاهتزاز ، وتريد أن تستره بمنع المراقبة والنقد والمحاسبة ، وليست تتستر وراء المصلحة العامة وتركب على ظهور الجماهير لخدمة أجندة خاصة وأهداف شخصية . وعلى العكس من ذلك : فإني أرى بأن المراقبة والتحليل والنقد شعبياً لأدائها ومحاسبتها عليه ، يقويها ويصلب مواقفها ويصونها من الميل والانحراف ويجعلها لصيقة بأهداف الجماهير وخدمة المصالح العامة ، ولا أرى لها وجه حق في الإصرار على المواقف التي ترفضها قواعدها الجماهيرية ما لم تخالف الحكم الشرعي ، إذا كانت ممثلة لها وليست قيمة عليها ، لتفرض عليها ما يفرضه القيم على القاصر .

وهذه المسألة في غاية الأهمية في فهم الحالة وتحليلها والموقف منها .

وإنني أتعجب ممن يذهب إلى القول بأنه يمثل الجماهير ويسعى لخدمة مصالحها وتحقيق أهدافها ، وفي نفس الوقت يفرض رؤيته الخاصة وتشخيصه الفردي عليها وباسمها . إن هذه قيمومة تتهم الجماهير بالقصور وليست تمثيلاً لها ، وتحمل في طياتها الدليل على الضعف في النفس والأداء ، وعدم الوصول في الصلابة إلى المستوى الذي تتطلبه المواقف ، وعدم توفر الصدقية والشفافية في التمثيل لتحقيق الأهداف والمصالح الشعبية ، وعلى هذا الأساس يأتي التوهم بأن المراقبة والتحليل والنقد الشعبي لأداء القيادات والرموز والمؤسسات والمحاسبة عليه يضعف مواقفها ، وذلك هو الأساس الذي يمهد لظهور الدكتاتوريات الكبيرة والصغيرة في المجتمعات والدول أعاذنا الله جل جلالها منها .

إن الكثير من الشخصيات الدكتاتورية كانت شخصيات مخلصة لأوطانها وشعوبها ، ولكنها حين تسلمت المسؤولية توهمت بأنها المعيار الأوحد للحقيقة والمصلحة فيما تعتقده من آراء وتتخذه من المواقف ، فقتلت وسجنت ونفت وأقصت المعارضين لها باسم الوطن والشعب والدين ، وهي تتوهم أنها تقول الحق وتفعل الصحيح ، وينطبق عليها بذلك قول الله تعالى : { وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون } ( البقرة : 11 ) .

وهذا ما ينبغي أن يحذره كل مخلص شريف من القيادات والرموز الرسمية والشعبية .

إنني أرى ضرورة ممارسة القواعد الجماهيرية لتكليفها في المراقبة والتحليل والنقد لأداء القيادات والرموز والمؤسسات الرسمية والأهلية والمحاسبة عليه ، رحمة بالقيادات والرموز لكي لا تتحول إلى دكتاتوريات ، ومن أجل صيانة المصالح العامة من الضياع والتلاعب بها وفق الأمزجة الفردية وتسخيرها للأغراض الشخصية باسم الدين والوطن .

قال الله تعالى مخاطباً الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم : { وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك لتفتري علينا غيره وإذاً لاتخذوك خليلا . ولولا ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليلاً . إذاً لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثم لا تجد لك علينا نصيراً }
( الإسراء : 73 – 75 ) .

يجب على كل رمز وقيادي مخلص وشريف أن يتوقف عند هذه الآيات المحكمات ليأخذ منها العبر والدروس ، فهي تكشف عن حجم ونوعية الضغوط التي تتعرض لها القيادات والرموز المخلصة والشريفة من القوى المضادة والمعادية لتغير مواقفها ، وتقول الآيات : بأن الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم رغم عظمته وقوته وكماله لو ترك إلى نفسه لمال إليهم شيئاً قليلاً ، وأن الذي صانه من ذلك وحماه من عواقبه في الدنيا والآخرة هو تثبيت الله جل جلاله له .

والسؤال : إذا كان ذلك هو حال الرسول الأعظم الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم رغم ما له من العظمة والقوة والكمال ، فكيف يكون حال غيره من الرموز والقيادات ؟!

الجواب : إنهم سوف يكونون في حال صعب وحرج للغاية ، والآيات الشريفة المباركة تنبهنا – كواحد من الدروس المهمة – إلى ضرورة العمل على تثبيتهم ، وذلك من خلال المراقبة والنقد لأدائهم ومحاسبتهم عليه – كأحد الآليات المهمة في ذلك – رحمة بهم ، ولحمايتهم وحماية المجتمع من العواقب الوخيمة لميلهم في الدنيا والآخرة ، وهذا كفيل بأن يدفعهم – إذا أخلصوا – إلى مطالبة الأمة والقواعد الجماهيرية بمراقبتهم وتحليل ونقد أدائهم ومحاسبتهم عليه .

وقد أوضحت في مناسبات سابقة توافق هذه الرؤية مع القول بولاية الفقيه ، ولا يتسع المقام هنا لذكر التفاصيل .

السؤال ( 2 ) : يرى البعض بأن موقف المعارضة في الخارج أمام المؤسسات والدول أصبح ضعيفاً بالمقارنة إلى السابق ، حيث كان لدينا في السابق شهداء ومعتقلين ومبعدين وليس لدينا في الوقت الحاضر سوى المسألة الدستورية والتجنيس والبطالة والفساد والتمييز وقضايا أخرى مماثلة ، وهي لا ترقى في الاهتمام إلى درجة الشهداء والمعتقلين والمبعدين لدى الرأي العام العالمي والمؤسسات والحكومات في الخارج . فما هو رأيك في ذلك ؟

الجواب ( 2 ) : لكل وطن في كل مرحلة من مراحل بنائه وتطوره ، قضايا جوهرية تمثل لب العمل الوطني المخلص والجاد في تلك المرحلة ، ومن ذلك تستمد قيمتها ، ويجب أن تستقطب اهتمام وجهود أبناء الوطن المخلصين في تلك المرحلة لكي تستمر مسيرة البناء والتطور في الوطن ، ولا يصح بحال التقليل من قيمتها ، فالقيمة نسبية وتحددها المرحلة وليست مطلقة ، وأرى بأن المسألة الدستورية والمسائل الأخرى التي تتابعها المعارضة وتهتم بها في الوقت الحاضر ، هي قضايا المرحلة التي ينبغي أن تستقطب جهود المخلصين من أبناء الوطن في الوقت الراهن من مسيرتنا الوطنية ، وهي مسائل وقضايا قوية في نفسها ومهمة كثيراً لدى الرأي العام الدولي والمحافل الدولية ، ولو لم تكن كذلك لما أعطيناها أهمية كبيرة وبنينا عليها مواقفنا الرئيسية في الساحة الوطنية .

وفي تقديري : إن توهم ضعفها يعود إلى سببين ، وهما ..

السبب الأول : ضعف أداء المعارضة بوجه عام ، وعلى الصعيد الخارجي بوجه خاص .

السبب الثاني : التأثر غير الواعي بالإعلام المضاد للسلطة والموافقين لها في مواقفها .

وعليه : فإنا مطالبون بتحسين أداء المعارضة على الصعيد الداخلي والخارجي ، وتحصين أنفسنا ضد الإعلام المضاد ، لكي ننهض بالمسؤولية على أكمل وجه وأفضله في خدمة قضايانا الوطنية .

السؤال ( 3 ) : يمثل سماحة الشيخ عيس أحمد قاسم رقماً صعباً لا يمكن تجاوزه . فهل يتطلب ذلك أن تربط جميع المؤسسات مواقفها ومصيرها به ؟

الجواب ( 3 ) : لا أختلف معك في تشخيص أن سماحة الشيخ عيس أحمد قاسم ( حفظه الله تعالى ورعاه ) يمثل رقماً صعباً في الساحة الوطنية لا يمكن تجاوزه ، ولكن توجد في الساحة أطراف تختلف معه أيديولوجيا وسياسياً ولا تعتبره قيادتها – وهذا من حقها – فلا يجب عليها من حيث المبدأ أن تربط مواقفها ومصيرها به ، ولكن لا أرى لأي طرف يعمل للمصلحة الوطنية ويريد لبرامجه النجاح في المسائل الرئيسية على الصعيد الوطني أن يتجاوز سماحته ، فلا بد من التنسيق معه في ذلك من أجل المصلحة الوطنية العامة .

السؤال ( 4 ) : تواردت أنباء من مصادر عديدة مفادها : أن جماعة من الوفاق تسعى للانفصال عنها وتأسيس جمعية أخرى . ما مدى صحة هذه الأنباء ؟

الجواب ( 4 ) : لقد تكرر السؤال كثيراً ، وحسب علمي : كانت هناك محاولة سابقة تم التراجع عنها ، وبالتالي فهذه هي المحاولة الثانية .

وخلفية ذلك : أن من بيننا من يرى بأن قرار المقاطعة فيه عداء من الطائفة للسلطة وبالتالي فهو قرار خاطئ وضار بالطائفة ، لأن السلطة لن تسعى لتحسين أوضاع الطائفة وتمنحها أية مكاسب مادامت تسير في طريق العداء والخصومة معها ، وبالتالي فإن الطائفة سوف تبق تعاني من الحرمان والتضييق ما دامت مصرة على المضي في هذا الطريق المظلم .

وفي المقابل : فإن قرار المشاركة قرار تصالحي من شأنه أن يخلق أجواءً إيجابية مشجعة للسلطة بأن تمضي في مساعدة الطائفة وتحسين أوضاعها وإعطائها بعض المكاسب ، وفي نفس الوقت يأتي التطوير التدريجي الذي من شأنه أن يحقق معظم مطالب المعارضة ، وهذا يعني أن الطائفة والمعارضة يجنبون البلاد الأجواء المشحونة ، ويكسبون الوقت ولا يضيعون الفرص من خلال سعيهم لتوظيف الإنجازات والمكاسب التدريجية التراكمية في أجواء الثقة لتحقيق أهدافهم الوطنية والدينية ، وهذا أنفع إليهم من قرار المقاطعة الضار بالوطن والمواطنين .

ويأخذ هؤلاء على الوفاق الاهتمام بالمسألة الدستورية على حساب الجوانب الإنسانية والاجتماعية التي تتعلق بحياة الناس اليومية وإهمالها إياها ، مما يزيد في معاناتهم ويقلل من فرص تحسين أوضاعهم .. لا سيما أبناء الطائفة .

والخلاصة : أن هؤلاء يرون بأن قرار المقاطعة قرار خاطيء ومضر بالطائفة ويجب الخروج منه بأية وسيلة شرعية ممكنة .

وفي تقدير بعضهم : أن قرار المشاركة محاصر في جمعية الوفاق من قبل دعاة المقاطعة ، وأن الوضع يسير نحو الأسوأ حتى في ظل الحوار الذي كانت الحكومة ترغب في إجرائه مع الوفاق ثم فرض مع الجمعيات الأربع ، مما يمهد لفشله ، ويرون بأن لا أحد يسمع لهم ، وبالتالي فإن هناك حالة يأس لديهم من تغيير الموقف في الوفاق ، ويحملون أشخاصاً بعينهم مسؤولية ذلك.

وفي ظل ذلك كله : يكون تأسيس جمعية جديدة ، هو الوسيلة الوحيدة والحل المنطقي لديهم.

ولن استبق الأحداث ، ولن أسعى لتجيير الرأي العام في اتجاه معين ، ولهذا سوف أكتفي في التعليق بالنقاط التالية ..

1- لا أختلف معهم في الاعتقاد بعدم وجود رؤية واضحة واستراتيجية محكمة لعمل الوفاق وإخفاق كبير في عملها المؤسسي .

2- أن المقاطعين لا يرفضون التغيير التدريجي ، ولا يقللون من قيمة وأهمية التغييرات الجزئية التراكمية ، ولكنهم يصرون على أن تضع المسيرة الوطنية أقدامها على الطريق الصحيح لكي تكون لتلك الإنجازات قيمة وتتقدم من خلالها المسيرة الوطنية إلى الأمام . والمقاطعون يعتقدون بأن الدستور الجديد قد رهن الإرادة الشعبية بيد السلطة التنفيذية ، وأخرج المسيرة الوطنية عن الطريق الصحيح وأدخلها إلى دهاليز مظلمة وخطرة ، وجعل المعارضة بمثابة الرهينة في يد السلطة التنفيذية ، والمؤسسة البرلمانية بمثابة المحرقة التي تحبس فيها السلطة التنفيذية المعارضة ، فإن شاءت السلطة التنفيذية إعطاء المعارضة شيئاً من المكاسب أعطتها ، وإن شاءت أن تمنعها منعتها ، وإن شاءت أن تحرقها أحرقتها ، وهذا ما قالته المعارضة نظرياً قبل التجربة ، ثم ثبت كواقع محسوس من خلال التجربة ، وعجبي من أناس لا تقنعهم التجارب بنتائجها المحسوسة !!

3- بغض النظر عن دوافع القائمين على المشروع ، فإن المشروع من الناحية الخارجية يخدم ايجابياً المساعي الحميمة لتمزيق الوفاق والتيار عموماً ، ويضعف طرف المعارضة في الحوار الجاري حالياً مع السلطة ، ويقطع عليه الطريق ، ويقدم الجمعية الجديدة كبديل عنه ، وعليه فإني أنصح بالتريث في تنفيذ المشروع ، وإعطاء فرصة أكبر للحوار البيني ، وتحكيم العلماء الأجلاء في الأمر .

4- أن المشروع – في تقديري – لن يحظى بالقبول لدى جماهير الطائفة وعلمائها ، وسوف يبقى التجاوب معه محصوراً في بعض النخب الضيقة جداً ، وليس له أي مستقبل أو أفق سياسي ، بل سوف يعود حتماً بالضرر على الطائفة والقائمين عليه ، ولن يحقق للقائمين عليه أكثر من مشاركة القليل منهم في الانتخابات القادمة ، تلك المشاركة التي لن تكون – حسب تقديري – قادرة على تحقيق الأهداف التي يتطلعون إليها ويسعون لتحقيقها ، فسوف تحاصرهم الأرانب وتقتلهم الفئران ، كما أثبتت التجربة لكل معتبر .

5- لا استبعد أن يدخل المشروع في الساحة الوطنية ضمن معادلة : ( ثقل المال في مقابل ثقل الجماهير ) وقد برزت في الآونة الأخيرة بعض مؤشراته للعيان ، وينبغي على القيادات الشعبية أن تحسب لذلك حسابه ، وأن لا تسمح بعملية الإخلال بالتوازن ، وتسعى – مبكراً – مع الأطراف المخلصة لحفظه من خلال أعمال شعبية نوعية .

6- حسب إطلاعي : يوجد اتجاه أخر في الوفاق يدعوا للانفصال عنها بدعوى سوء أداء الإدارة وضعف مواقفها ، وفشل الجمعية في القيام بوظائفها ، وأغلبهم من شباب الانتفاضة المتحمس النظيف ، وإن لم يصل هذا الاتجاه إلى حالة التكتل ومرحلة التنفيذ . وكلا الاتجاهان الانفصاليان يصبان – حسب تقديري – في خدمة المساعي الحميمة لتمزيق الوفاق والتيار عموماً ، بغض النظر عن دوافع القائمين عليهما . وتوجد بين الاتجاهين – حسب قراءتي – مفردات مشتركة . وأرى في ظل هذا وذاك ، أن على إدارة الوفاق وقيادات التيار ورموزه مراجعة تقييم مستوى الأداء والسعي لبناء أجهزة الوفاق وتفعيل أدوارها وترسيخ العمل المؤسسي لديها وتقليل الاعتماد على الأشخاص وكسر المعايير التقليدية واعتماد الخبرة والكفاءة في الاختيار وإعادة النظر في منهجية العمل – لا سيما العلاقة مع الرأي الآخر – والاستماع إلى الجماهير والآراء الناقدة المحايدة واسعة الانتشار ، وعدم تجاهلها والإصرار على الآراء الخاصة المسبقة بغض النظر عن نتائجها ، وهذا يحتاج إلى صحوة لوقف حالة التدهور وتصحيح ما يتطلب التصحيح قبل فوات الأوان واتساع الرقعة على الراقع . فقد تعالت الانتقادات وازدادت مساحتها وتنوعت اتجاهاتها ، وازدادت مساحة عدم الرضا والتذمر وأصبحت السمة العامة لأبناء التيار – لا سيما الشباب – ولازال التطلع – حسب رأيي – قائماً لتحقيق الإطار الجامع لكل ألوان الطيف في الطائفة ، من خلال منهجية واقعية ، وإتاحة الفرصة لتبادل المواقع وفق آليات صحيحة يتوافق عليها ، بعيدا عن الاحتكار والخوف من الرأي الآخر .. والسعي لإقصائه .

السؤال ( 5 ) : ما هي النتائج المتوقعة لفشل حوار المعارضة مع السلطة ، وما هي انعكاساته على شرعية النظام ؟

الجواب ( 5 ) : لقد أوضحت في الورقة التي قدمتها في نادي العروبة ، بأن نتائج فشل الحوار لن تكون في صالح المواطنين والسلطة ، فسوف تبقى الحياة البرلمانية صورية ، ولن يكون في مقدورها نزع فتيل التأزم في البلاد ، سواء شارك المقاطعون أو استمروا في مقاطعتهم . فبقاء قوى المعارضة الرئيسية خارج التجربة يضعف التجربة ويقلل من أهميتها ودورها . ومشاركة قوى المعارضة في التجربة مع قلة الصلاحيات ، يفسد التجربة ويقلل من فاعليتها في نزع فتيل التأزم ودفع عجلة التقدم في البلاد إلى الأمام ، وقد وجدنا الكثير من الدول قد عانت من التأزم الأمني والسياسي والاجتماعي والاقتصادي وعانت من التخلف رغم وجود برلمانات صورية فيها ، وقد انتهي الأمر ببعض أنظمتها إلى السقوط كما حدث في إيران والعراق . وبالتالي : فإن الحل الوحيد للخروج من المأزق هو نجاح الحوار بتحقيق تقدم جوهري في المسألة الدستورية ، ولن تنفع المناورات والألاعيب السياسية في حلحلة المشكلة والخروج من الأزمة .

وأما عن انعكاسات فشل الحوار على شرعية النظام : فإني أتوقع أن الفشل في الحوار سوف يدفع البعض لإثارة الشرعية ، لا سيما أن الأساس القانوني الوحيد المتوافق عليه لتنظيم الشرعية هو دستور ( 1973 ) الذي أسقطته السلطة من طرف واحد ، ولم توجد البديل عنه ، حيث لا يوجد توافق حول دستور ( 2002 ) الذي صدر بإرادة ملكية منفردة . ولا ينفع السلطة القول : بأنها تحكم بالأمر الواقع – كما ذهب إليه البعض – لأن الأمر الواقع من سمات الماضي المتخلف الذي تحكمه شريعة الغاب ، وهو لا يغني في الوقت الحاضر المتحضر عن الأساس القانوني الذي ينظمه ويضفي عليها الشرعية بالإقرار الشعبي .

والخلاصة : أن نجاح الحوار في مصلحة الشعب والسلطة من جميع الجهات ، وفشله مضر للسلطة والشعب من جميع الجهات ، وهذا ما يجب أن تتعقله وتتفهمه جميع الأطراف ، وتنظر للبعيد في مواقفها من المسألة الدستورية ، وأن لا تسمح بأن تستبد بها النظرة الضيقة والمصالح السطحية القريبة والآنية على حساب المصالح الوطنية الجوهرية الدائمة .

السؤال ( 6 ) : كثرت خلافاتنا ونحن نهوي إلى هاوية التمزق ، والكل يستند إلى حق الاختلاف في الرأي . ما هو رأيك في ذلك ؟

الجواب ( 6 ) : الاختلاف في الرأي حق طبيعي لكل الناس ، والقرآن الكريم أشار إلى إمكانية وجوده بين صفوف الأنبياء عليهم السلام ، رغم أنهم معصومون ويوحى إليهم ، وذلك لإيجابيته بين الناس في الحياة ، فقد اختلف نبي الله داوود وابنه نبي الله سليمان عليهما السلام بوحي من الله تعالى في حكم الغنم . قول الله تعالى : { وداوود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفثت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين . ففهمناها سليمان وكلاً آتينا حكماً وعلماً } ( الأنبياء : 78 – 79 ) ، كما اختلف نبي الله موسى – وهو من أولي العزم – مع العبد الصالح عليهما السلام في تشخيص الموقف في أمور السفينة والغلام والجدار ، لاختلاف زاوية العلم والتكليف ( سورة الكهف : 65 – 82 ) .

ومع هذا التقرير القرآني للحق الطبيعي للاختلاف في الرأي ، إلا أنه أمرنا بوحدة الصف في المواقف ، ونهانا عن التفرق والتنازع .

قول الله تعالى : { واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا } ( آل عمران : 103 ) .

وقول الله تعالى : { ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم } ( الأنفال : 46 ) .

وهذا يعني أن الاختلاف في الرأي لا يبرر التفرق والتنازع ، وأعتقد بأن السبيل الوحيد للربط بينهما ، هو التقوى وإيجاد آليات العمل لإدارة الاختلاف في الرأي ، مع التأكيد على أن أحدهما لا يغني عن الآخر ، وأننا نحتاج إلى التقوى للإخلاص في نظم الأمر وإجرائه بعيداً عن الأهواء والرغبات والمصالح الشخصية .

قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في وصيته لولديه الحسن والحسين عليهم جميعاً السلام : ” أوصيكما وجميع ولدي وأهلي ومن بلغه كتابي بتقوى الله ونظم أمركم ” .

فإذا وجدنا التفرق والتنازع بيننا ، فهذا يعود لأحد السببين التالين أو هما معاً ..

السبب الأول : غياب التقوى وتحكم الأهواء والرغبات والمصالح الشخصية ، وأن الاختلاف في الرأي ما هو إلا مبرر ظاهري لخداع الناس وإرضاء النفس الأمارة بالسوء .

السبب الثاني : الجهل وقلت الخبرة وغياب الآليات الصحيحة لإدارة الاختلاف في الرأي الذي هو رحمة بين الناس .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.