محاضرات وندوات عام 2002

كلمة الأستاذ في مولد الإمام الحسين عليه السلام

كلمة الأستاذ في مولد الإمام الحسين عليه السلام

الموضوع : كلمة للأستاذ عبد الوهاب حسين .
المناسبة : مولد الإمام الحسين عليه السلام .
المكان : البلاد القديم، الحسينية المهدية .
التاريخ : 5/ شعبان/ 1423هـ .
الموافق : 12/ أكتوبر/ 2002م .

أعوذ بالله السميع العليم ، من شر نفسي الأمارة بالسوء ، ومن شر الشيطان الغوي الرجيم . بسم الله الرحمن الرحيم . اللهم صل على محمد وآل محمد ، وارحمنا بمحمد وآل محمد ، واهدي قلوبنا بمحمد وآل محمد ، وعرِّف بيننا وبين محمد وآل محمد ، واجمع بيننا وبين محمد وآل محمد ، ولا تفرق بيننا وبينهم طرفة عين أبدا في الدنيا والآخرة يا كريم ، اللهم معهم معهم ، لا مع أعدائهم ، . السلام عليكم أيها الأحبة ، أيها الأخوة والأخوات في الله ورحمة الله وبركاته .

قال تعالى ” وضرب الله مثلاً امرأة فرعون إذ قالت ربي أبني لي عندك بيتاً في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين” صدق الله العلي العظيم
يقدم الله جل جلاله نموذجاً للإنسان المؤمن وقدوة لهم، للرجال والنساء على حد سواء، آسيه بنت مزاحم زوجة فرعون، وفي ذلك دروس للإنسان، أهمها ثلاثة، وهي :-

الدرس الأول: قدرة الإنسان على أن يتخلص من قهر الظروف المحيطة التي تضغط عليه، أي كان نوعها، فكرية، أو سياسية، أو اجتماعية، أو نفسية، وأي كان حجمها وقوتها وعددها، فقد تخلصت آسيه بنت مزاحم من ذلك كلها رغم كثرتها واجتماعها عليها.

الدرس الثاني: أن المرأة رغم أنها أكثر حساسية للضغوط الاجتماعية الموجهة إليها والمحيطة بها، فإنها تستطيع أن تقهر جميع ذلك، وتقهر ما يسميه البعض بالضعف الأنثوي، وتبلغ الذروة في الشجاعة والثورة على الباطل، والانتصار للحق، وتستشهد في سبيل ذلك بنفس راضية مطمئنة، كما فعلت آسية بنت مزاحم زوجة فرعون الملك.

الدرس الثالث: لقد أعطى الإسلام الحجة الدامغة على تكريمه للمرأة، وتعظيمها لدورها في ساحة العمل الإسلامي والوطني، ورفع شأنها بما لا يدع مجالا للشك، إلا عند المغرضين والمعاندين للحق، والذين لا يريدون أن يعرفوا الحقيقة، ولا يريدون أن يذعنوا اليها،وركب الاسلام سائر إلى الأمام، لن يوقفه إرجاف المرجفين والمعاندين والمبغضين للحقيقة والطاهرة والكرامة الإنسانية، وبقى على المؤمنين تطبيق الرؤية الاسلامية على أرض الواقع، بغيدا عن المزاج والاراء الشخصية.

أما عن جوانب القدوة في شخصية آسية بنت مزاحم ( ع ) فهو عشقها لل ذي الجلال والإكرام، قوله تعالى على لسانها ” إبني لي عندك بيتاً في الجنة ” تأمل قولها ( ع ) عندك، لم تقل بيتاً في الجنة، وإنما قالت عندك، قريباً منك، فغايتها ليس البيت في الجنة وإنما القرب من معشوقها، فهة الله ذي الجلال والإكرام. فقد استبدلت عشق فرعون بعشقها لله، واستبدلت قصور فرعون ببيت لها عند معشوقها فهو الله جل جلاله في الجنة. والعشق مرتبة عالية جداً من رتب الكمال الإنساني والقرب من الله جل جلاله، وأن العاشق لله جل جلاله، يتصف بما لا يحصى من صفات الكمال والإنساني، من هذه الصفات التسليم لله جل جلاله، والصبر بكل أنواعه، والإرادة الصلبة والعفو عن الناس. زأن العشق يترك أثره على سلوك العاشق، ورؤيته للأشياء جميعاً، فلننظر كيف أثر العشق الالهي على سلوك وصفات ورؤية آسية بنت مزاحم ووعيها بالأشياء !!

كانت آسيه بنت مزاحم ( ع ) المرأة الأولى في مصر تمتلك السلكة والمال والجاه والترف والترفية بكل أصنافه وأنواعه، وكان من الممكن أن تملأ الدنيا عينيها فلا تبصر شيئاً غير الدنيا وزخارفها وزينتها وشهواتها، ولكنها تجاوزت جميع ذلك، فأبصرت جمال الله وعشقته ولم ترى شيئاً سواه، ولم ترتبط بغيره، كانت تنظر إلى الدنيا بقلق، وترى فيها حجاباً تريد أن تخترقه لكي تبصر معشوقها وتقترب منه، لقد أبصرت حقيقة فرعون وحقيقة عمله، ونادت ربها ومعشوقها: ونجني من فرعون وعمله، أبني لي عندك بيتاً قريباً منك إلى جوارك، بيتاً، فأنت الغاية والمنى، قربك هو الغاية والمنى وليس البيت، إستبدلني بك من النفس الخبيثة لفرعون الذي أدع مقامك العالي زوراً وبهتاناً، ونجني من عمله السئ ، فنفسه خبيثة وكل عمله سئ، وهي تخاف أن يصيبها شئ من خبثه أو عمله السئ، فيحجبها ذلك عن معشوقها جميل الإحسان، ذي الجلال والإكرام.

هكذا فعل العشق الالهي بآسية بنت مزاحم. ومن تأثيرات العشق الالهي عليها، أنها إستطاعت أن تتغلب بشجاعة منقطعة النظير، لا مثيل لها حتى عند الرجال إلا من عصم الله جل جلاله، وهي المرأة، إستطاعت أن تتغلب على الضغوط الهائلة المتعددة، وقد اجتمعت عليها، ضغوط فرعون، وجنوده وحاشيته ومجتمعه الظالم، الذين تيرأت منهم جميعاً، وقاومتهم من أجل معشوقها الحقيقي، وهو الله جل جلاله، فلم تعد بعد أن تبرءت من فرعون وعمله ومجتمعه، امرأة له، ولم تعد المرأة الأولى في المجتمع، بل أصبحت عدوة القصر والمجتمع، واجتمعوا عليها لينزلوا بها العذاب الأليم، فصبرت، ونفتح قلبها فرأت معشوقها، وذهبت اليه قريرة العين بنفس راضية مرضية مطمئنة.

كان ذلك تأثير العشق الالهي في شخصية وسلوك آسية بنت مزاحم زوجة فرعون. نحن اليوم نحي الذكرى السنوية لمولد السبط الإمام الحسين بن علي ( ع )، فنحن أمام شخصية أعظم عشقاً لله جل جلاله من آسية بنت مزاحم ( ع ) وعشقه أعظم تأثيراً في شخصية وسلوكه من تأثير عشق آسية بنت مزاحم في شخصيتها وسلوكها، فهو القائل في يوم العاشر من محرم، بعد أن قُتل أهل بيته وأصحابه، ونزل للمعركة وحيداً فريداً، قال: إلهي تركت الخلق طراً في هواك، وأيتمت العيال لكي أراك، فلو قطعتني فب الحب أرباً، لما مال الفؤاد إلى سواك. الإمام الحسين ( ع ) لم يعيش تحت تأثير عشقه ساعة إستشهاد، وإنما عاشق الحضور مع الله ذي الجلال والإكرام عاشقا، وبرز تأثير عشقه في شخصيته وسلوكه في تاريخه الطويل، وأحاول هنا أن إبرز بعض الجوانب المهمة التي برز فيها تأثير العشق الالهي في شخصيته وسلوكه ( ع ).

الجانب الأول – النهج الاصلاحي المقاوم:

فقد إنتهج ( ع ) النهج الاصلاحي المقاوم، بكل إخلاص، وبدون شائبة من رياء أو سمعة. قال ( ع ) في وصيته لأخيه محمد بن الحنفية ( رض ) قبيل خروجه ( ع ) من المدينة: ” لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي”.
لم أخرج أشراً: يعني لم أخرج من أجل الدعاية والاعلام، أو من أجل الرياء والسمعة، ولم أخرج لكي يقول الناس سمعنا الحسين يقول كذا، ورأينا الحسين بفعل كذا، وتتناقل وسائل الاعلام ذلك، تتكون للحسن للحسين ( ع ) بذلك سمعة عند الناس. ولم أخرج من أجل السلطة والاستعلاء على الناس.

ولا بطراً : يعني لم أخرج عبثاً أو لشئ لا يستحق، لم أخرج من أجل التفاخر أو سواه، وإنما خرجت لشئ في غاية الاهمية، لم أحرج من أجل توجيه المجتمع لغي الوجهة الصحيحة التي يجب أن يتوجه إليها لم أخرج لكي أحرفه عن الوجهة الصحيحة له، وإنما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي….الخ
فهذا التوجيه الاصلاحي المقاوم النزية جداً جداً كان تحت تأثير العشق الالهي.

الجانب الثاني – الصدق والشفافية مع الناس:

فقد أعلن (ع) في رفضه لبيعة يزيد، بأن يزيد فاسق فاجر يشرب الخمر ويقتل النفس المحرمة، ومثله لا يبايع يزيد. وحين أراد الخروج من مكة، واجتمع حوله خلق كثير، وعلم من حالهم، أنهم يظنون بأنه سوف يستولي على السلطة، وأنهم يرغبون بالامتيازات والمناصب والمكاسب المادية، صارحهم بأنه مقتول، وأن من يصحبه مصيره القتل أيضاً، فتفرقوا عنه، ولم يستوحش من ذلك، لأن أنسه بعشقه لله، ومن يعشق الله لا يستوحش من قلة الناصر، وفي ليلة العاشر من المحرم، أخبر أصحابه بأن القوم لا يريدون غيره، وإنهم إذا ظفروا به، لم يلتفتةا إلى سواه، وأبرء ذمتهم، وفسح لهم المجال بأن يتخذوا الليل ستاراً للنجاة بأنفسهم، ولكنهم رفضوا ذلك. لم يتشبث بوجودهم معه، لأن وجوده كان مع معشوقه ذي الجلال والإكرام، هكذا دائماً: من يعشق الله جل جلاله، لا يستوحش من الوحدة. لأنه لا يكون وحيداً، ولا يستوحش من قلة الناصر، لأن له من عشقة قوة لا تقاس شيئ، هكذا تأثير العشق الالهي فس سلوك الحسين .

الجانب الثالث – حبه للناس :

من تأثير العشق الالهي في شخصية الامام الحسين وسلوكه ( ع ) حبه وإخلاصه وخدمته للناس، والتضحية من أجلهم، حتى الذين يظهرون له بمظهر الاعداء، فإنه يحب لهم الخير، ولا يحدق عليهم، ويقدم اليهم مافي وسعه ( ع ) من الخدمات، أنظروا إلى موقفه مع الحر بن يزيد الرياحي وجيشه، كيف سقاهم الماء وسقا دوابهم وعاملهم معاملة حسنة، ولم يقل هؤلاء أعدائي، ويريدونقتلي. نعم هكذا يكون الانسان المؤمن دائماً، حينما يتحرك تحت تأثير قيم الايمان والتقوى، أما إذا كان من العاشقين كالحسين ( ع ) فالأمر أكبر…إنظروا إلى الحسين ( ع ) في يوم العاشر من المحرم، كيف ينصح من يريدون قتله، ويكثر من النصح إليهم، ويلح عليهم، ثم يبكي، ولما سؤال عن بكائه، أخبر ( ع ) أنه يبكي رحمة من أجل الذين يريدون قتله، لأنهم سوف يدخلون النار بسبب قتلهم إياه ( ع ).

الجانب الرابع – الشجاعة والثبات :

روى عن حميد بن مسلم أنه قال : ما رأيته مكسوراً قط، قتل أخوته وأهل بيته، أربط جأشاً مت الحسين ( ع )، وروى عن بعض أصحابه ( ع ) أنهم قالوا : كلما أشتد وطيس المعركة، كلما أشتد وجه الحسين ( ع ) إشراقاً لم يكن ( ع ) يشعر بألم جراحات السيوف وطعن الرماح، وإنما كان يستشعر لحظة اللقاء مع معشوقه الذي طال انتظاره ( ع ) لوصاله.

أيها الأحبة : ونحن نحيي ذكرى مولد السبط الإمام الحسين ( ع ) فلنأخذ قبساً من عشق الحسين، ليكون لنا زاداً، ولنهنأ بالسعادة في الدنيا والاخرة.

أكتفي بهذا المقدار ، واستغفر الله الكريم لي ولكم ..
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.