مشاركة الأستاذ عبد الوهاب حسين
في مجلس المشيمع الأسبوعي
مساء الخميس ـ ليلة الجمعة
بتاريخ : 1 / شعبان / 1430هج
الموافق : 23 / يوليو ـ تموز / 2009م
النص المراجع
• التواصل قائم مع الإخوة في حركة حق وحركة أحرار البحرين وآخرين، والمتوقع أن ننتهي إلى قرار مشترك في الموقف من انتخابات 2010م، والأبواب مفتوحة للحوار مع الآخرين، وشعارنا : وحدة الكلمة ورص الصفوف .
• رؤيتنا للعلاقة ـ على مستوى الطموح ـ في التيار والطائفة ليس هو التحالف، بل تنظيم الصفوف وتنضيج آليات اتخاذ القرارات وصولا إلى وحدة القرار، وإذا لم ننجح في تحقيق ذلك تكون التعددية والتنسيق والتعاون على المشتركات .
• التسقيط مسألة أخلاقية وليست مسألة سياسية، ونحن متشرعة وغايتنا هو الله ذو الجلال والإكرام والآخرة، وليست لدينا أية مصلحة في التسقيط لنمارس هذا العمل الدنيء .
• بالنسبة للأخوة في حركة حق كان لهم برنامج تحشيد للمقاطعة، وبعد صدور نصيحة سماحة السيد السيستاني، وجدوا أن المصلحة تكمن في عدم التحشيد للمقاطعة .
• مسألة الخضوع للمرجعية مبدأ صحيح في نفسه، ولكن العيب في الأسلوب وفي التوظيف السياسي الخاطيء والسيء والمعيب لأسماء المراجع، وأعتقد أن المشاركة البرلمانية الحالية لا تستحق الزج بأسماء الفقهاء والعلماء في التحشيد إليها، وهذا يتطلب وعيا وإرادة .
• المؤشرات تدل على أن السلطة ليست اللاعب الوحيد وأن المعارضة بات لها فهمها وإرادتها وحضورها في الساحة .
• لو دخلت المعارضة بأجمعها في البرلمان فستكون محكومة بأجندة السلطة، وسوف يكون دورها في نطاق ردود الفعل، والذي يسمح بأن تكون المعارضة في نطاق الأفعال وليس مجرد ردود للأفعال هي المقاطعة، وهذا ثابت بالتجربة .
• ما هي مصلحتنا في إخفاء الحقائق؟ ليس وراءنا مناصب ولا مكاسب ولا مغانم دنيوية، فنحن نسير ولله الحمد في طريق ذات الشوكة، والذي ينتظرنا هو المزيد من الظلم والقهر من السلطة وغيرها، ومن يقول بأننا أخفينا الحقيقة، فليبين تلك الحقيقة التي أخفيناها، وما هي مصلحتنا من وراء إخفائها .
• أني لو وقفت في صفوف المتزلفين والمتشدقين، لكان نصيبي من الزعامة والوجاهة والسمعة الأوفر ؟ أما مواقفي الحالية، فقد جلبت ليَّ الخسارة المادية وتشويه السمعة والأذى المادي والمعنوي، وإني قد أديت ما رأيت بأنه الحق، وتحملت في سبيله ما تحملت .
• التناصر من صفات المؤمنين، وغايته إقامة القسط وليس الاخلال به .
• النذل من يترك صاحبه في عثرته ويواصل الطريق بدونه مع قدرته على انتشاله .
• المؤمنون هم في الحقيقة قافلة تسير إلى الله ذي الجلال والإكرام، وهو السير الوجودي الأهم في حياة الإنسان على الاطلاق .
• الرد بالمثل حق، وهو في مستوى الحالة الغريزية من الإنسان، والعفو والصفح خلق كريم، وهو حالة إنسانية نبيلة وقيمية إنسانية رفيعة تسمو فوق الحالة الغريزية .
• الرسالة الإسلامية المباركة لا يمكن أن تُحمل أو تُطبق بالروح الانعزالة التي تبتعد عن المسئوليات العامة، وإنما بالتصدي والعمل، والمؤمن المتصدي للشأن العام هو أكمل روحيا وأقرب إلى الله ذي الجلال والإكرام من القاعدين .
• لا الزهد والتقوى يحملان الإنسان المؤمن على التخلي عن تحمل المسئوليات العامة، ولا الدخول في العمل السياسي يحمل الإنسان المؤمن على التخلي عن الأخلاق .
في بداية اللقاء ألقى الأستاذ كلمة قصيرة، تناول فيها أربعة محاور رئيسية، وهي :
• ضرورة ربط العمل السياسي بالله سبحانه وتعالى والآخرة لألا يكون العمل وبالا على الإنسان وحسرة في يوم القيامة، وهذا يقتضي الالتزام المطلق بالشريعة الإسلامية المقدسة .
• ضرورة التحلي بالأخلاق والالتزام بالقيم الإنسانية الرفيعة في ممارسة العمل السياسي .
• أن عقيدة التوحيد والإيمان يجعلان الإنسان يشعر بالقوة والأمل دائما، ولا يسمحان له باليأس مهما اشتدت به المحن والفتن .
• ضرورة تحمل الجماهير والنخب في حال الاختلاف لمسؤولية الاختيار للمنهج والقيادات التي ترى أنها تعبر عن الدين الحق والطريق إلى العدالة الاجتماعية، وذلك على قاعدة : ” إعرف الحق تعرف أهله ” مع الحرص الكامل على وحدة الصف، وحفظ حقوق الأخوة الإسلامية والوطنية مع من نختلف معهم في الدين والسياسة .
وبعد ذلك استمع الأستاذ لأسئلة الحضور وأجاب عليها، وهذا عرض لأهم النقاط التي طرحها في الإجابة على الأسئلة ..
توضيح رأي الشيخ حسين النجاتي ورؤيته للانتخابات القادمة ..
ما طرحه سماحة الشيخ حسين النجاتي وما فهمته منه شخصيا أنه دعا إلى أمرين ..
• مراجعة القرار على ضوء نتائج المشاركة .
• وتوافق رموز وقيادات التيار وأطرافه السياسية على القرار، وألا ينفرد شخص أو طرف بذلك .
ولم يقل أنه ستصدر فتوى بحرمة المشاركة، وإنما قال : قد يكون القرار بالمشاركة، وقد تصدر فتوى في ظل التوافق بحرمة المشاركة، فالمطلوب هو التوافق على القرار، وقد يكون القرار المتوافق عليه هي المشاركة، وقد تكون المقاطعة .
وأرى بأن هذا الرأي ينسجم في جوهره مع ما سبق وأن طرحه سماحة الشيخ عيسى أحمد قاسم في إحدى خطب الجمعة .
انتخابات 2010م لن تكون كانتخابات 2006م
ذكر الدكتور عبد الهادي خلف في مقاله الأخير في الأسبوع الماضي في صحيفة الوقت، أن انتخابات 2010م لن تكون كانتخابات 2006م، وهو شخص أكاديمي وسياسي عريق وخلفياته في هذه القراءة والاستنتاجات هي خلفيات أكاديمية وسياسية . وكلام سماحة الشيخ النجاتي يؤكد هذه النتيجة، وتحشيد حركة حق المبكر باتجاه المقاطعة يدل على هذه النتيجة، وأقدر أن السلطة والإخوة المشاركون من التيار لهم نفس القراءة، ونحن على تواصل مع سماحة الشيخ النجاتي، ولدينا في تيار الوفاء رؤية سنطلعه عليها ليعطي رأيه فيها، والتواصل قائم مع الإخوة في حركة حق وحركة أحرار البحرين وآخرين، والمتوقع أن ننتهي إلى قرار مشترك في الموقف من انتخابات 2010م، والأبواب مفتوحة للحوار مع الآخرين، وشعارنا : وحدة الكلمة ورص الصفوف .
ضرورة عرض رؤية المقاطعين على علماء الطائفة ..
هذا تنبيه مهم وسوف نأخذه بعين الاعتبار في تيار الوفاء، ونحن من حيث المبدأ لدينا الاستعداد التام للانفتاح على كل من يرغب في الانفتاح علينا، ورؤيتنا للعلاقة ـ على مستوى الطموح ـ في التيار والطائفة ليس هو التحالف، بل تنظيم الصفوف وتنضيج آليات اتخاذ القرارات وصولا إلى وحدة القرار، وإذا لم ننجح في تحقيق ذلك تكون التعددية والتنسيق والتعاون على المشتركات . أما العلاقة مع التيارات الأخرى فنحن نؤمن بالتحالفات والصداقات ورص صفوف المعارضة وتنسيق عملها من أجل تحقيق الأهداف الوطنية العليا المشتركة، ولا نريد قطع خطوط الاتصال مع الآخرين .
بيان الخطأ في الرأي الآخر ليس تسقيطا ..
التسقيط مسألة أخلاقية وليست مسألة سياسية، ونحن متشرعة وغايتنا هو الله ذو الجلال والإكرام والآخرة، وليست لدينا أية مصلحة في التسقيط لنمارس هذا العمل الدنيء، وهو ليس من طبعنا، ولسنا نستذوق أكل لحوم البشر، فهذا من طبع عبيد الدنيا وطلابها وهذا من إدامهم، ومما يؤسف له وجود جماعة من الفارغين من عبدة الأحزاب ليس لهم شغل إلا الأكل في لحوم البشر . وقد أعربنا منذ البداية عن رغبتنا في التواصل مع الإخوة في الوفاق، وتأخر الجلوس معهم بسببهم وليس بسببنا . والاختلاف بخصوص المشاركة والمقاطعة وبيان خطأ الرأي الآخر لا علاقة له بالتسقيط إلا في عقول الضعفاء والمفلسين، فهناك رأيان في داخل التيار ..
• أحدهما يقول بالمشاركة .
• والآخر يقول بالمقاطعة .
وأي رأي منهما إما أن يكون واقعيا أو اعتباطيا؛ فإن كان اعتباطيا فلا قيمة له، أما إذا كان واقعيا فكيف يستطيع أن يثبت واقعيته إذا لم يبين خطأ الرأي الآخر؟
فمن يرى المشاركة يرى أن في المقاطعة خطأ، ومن يرى المقاطعة يرى أن في المشاركة خطأ، ومن حق كل صاحب رأي أن يبين خطأ الرأي الآخر، وهذا هو السبيل لمعرفة الحق والعدل والسبيل إلى الصلاح والإزدهار في الحياة، وليس في ذلك أي شيء من التسقيط بحق الآخر، وإني أرى في الرأي الذي يرى في بيان خطأ الرأي الآخر تسقيط، أنه رأي في قمة السقوط في الاعتبار الفكري والسياسي، وهو دليل على الضعف والوهن الفكري والنفسي والعملي .
وبالنسبة لي كشخص منذ أن نقل رأي سماحة السيد فضل الله أعلنت بأني لن أحشد للمقاطعة إذا اتخذ العلماء والوفاق قرارا بالمشاركة، وبالنسبة للأخوة في حركة حق كان لهم برنامج تحشيد للمقاطعة، وبعد صدور نصيحة سماحة السيد السيستاني، وجدوا أن المصلحة تكمن في عدم التحشيد للمقاطعة .
وأرى بأن الإخوة في الوفاق قد حصلوا على الدعم الكافي علمائياً وجماهيرياً، فلا يصح أن يقال أن للمقاطعين دور في إفشال المشاركة، بل إن النتائج الخيبة للآمال هي تنبع من ذات المؤسسة .
ومسألة الخضوع للمرجعية مبدأ صحيح في نفسه، ولكن العيب في الأسلوب وفي التوظيف السياسي الخاطيء والسيء والمعيب لأسماء المراجع، وأعتقد أن المشاركة البرلمانية الحالية لا تستحق الزج بأسماء الفقهاء والعلماء في التحشيد إليها، وهذا يتطلب وعيا وإرادة، وأنصح كافة المؤمنين بأن يبعدوا أسماء الفقهاء عن التحشيد للمشاركة أو المقاطعة، لأن ذلك لا يخدم الوعي ولا العلاقة بين الجمهور والمراجع، وقد أثبتت التجربة أن الزج بأسماء الفقهاء والعلماء في التسويق للمواقف السياسية، قد أساء للحالة الإيمانية والسياسية ولعلاقة الجماهير بالمراجع العظام والعلماء المحترمين .
وضع المعارضة ..
ليس لأحد الحق في أن يقول للسلطة لا تلعبي سياسة فهي طرف سياسي ولكن لتكن المعارضة بارعة في لعبها السياسي . وفي تقديري أن المعارضة أصبحت لديها تجربة ولها فهم وإرادة وحضور، ونستطيع أن نقول أنه قد ثبت في الفترة الأخيرة بالدليل الحسي أن السلطة ليست اللاعب الوحيد في الساحة، فاعتقال فضيلة الأستاذ حسن مشيمع قد جاء كردة فعل، وكان من المقدر ـ حسبما نقل عن وزير الداخلية ـ أنه ستصدر بحقه أحكام قاسية تصل إلى 11 سنة سجن، والإفراج عنه كان بخلاف إرادة السلطة .
والخلاصة : أنّ المؤشرات تدل على أن السلطة ليست اللاعب الوحيد وأن المعارضة بات لها فهمها وإرادتها وحضورها في الساحة .
دور المعارضة بين الفعل ردود الفعل ..
لو دخلت المعارضة بأجمعها في البرلمان فستكون محكومة بأجندة السلطة، وسوف يكون دورها في نطاق ردود الفعل، والذي يسمح بأن تكون المعارضة في نطاق الأفعال وليس مجرد ردود للأفعال هي المقاطعة، وهذا ثابت بالتجربة . وقد أصبحت المعارضة في الوقت الحاضر ذات فهم وإرادة وحضور، وسوف يكون دورها أكثر نضجا في المستقبل ـ إن شاء الله تعالى ـ ليصل إلى مستوى الفتوة، فالمعارضة لاتزال حاليا بمثابة الوليد الذي ينمو شيئا فشيئا ويتدرب ويقوى عوده ليصبح شابا فتيا في المستقبل .
قراءة لحادثة اعتداء لندن بحق نشطاء المعارضة ..
المتوقع أن السلطة هي المسئولة عن ذلك، وهذه قراءة معتبرة وليست يقينية، وأنَّ ممارسة السلطة لمثل هذا العمل في دولة أوروبية يعني أن السلطة تعيش ضيقاً من المعارضة، وأن خياراتها أصبحت قليلة ومحدودة، علماً بأن ما حدث لا يضرّ بالمعارضة، وإنما يخدمها حيث أنه يكشف عن حقيقة توجهات السلطة وطبيعة تعاطيها مع المعارضة في الداخل والخارج .
تداعيات بيان الحجة وادعاء إخفاء الحقائق المتعلقة بزيارة قم الأخيرة ..
ما هي مصلحتنا في إخفاء الحقائق؟ ليس وراءنا مناصب ولا مكاسب ولا مغانم دنيوية، فنحن نسير ولله الحمد في طريق ذات الشوكة، والذي ينتظرنا هو المزيد من الظلم والقهر من السلطة وغيرها . إنَّ من يخفي الحقائق هو من يبحث عن المغانم والمكاسب الدنيوية، وليس الذي يسير في طريق ذات الشوكة ابتغاء مرضاة الله ذي الجلال والإكرام وهدفه صيانة حقوق الناس وحفظ مصالحهم العليا ولديه الاستعداد بأن يضحي بنفسه في سبيل ذلك، ومن يقول بأننا أخفينا الحقيقة، فليبين تلك الحقيقة التي أخفيناها، وما هي مصلحتنا من وراء إخفائها .
اتهام سماحة الشيخ عبد الجليل المقداد والأستاذ عبد الوهاب بتضعيف وتوهين مكانة العلماء ..
لا أحب أن أتكلم في هذا الموضوع فأصله سوء، ولكن أسأل بمرارة الذين يقولون أن المقداد وعبد الوهاب يضعفون العلماء ..
• هؤلاء البائسون أين كانوا وقت المحنة؟
• ومن الذي كان في صفّ العلماء وقت المحنة؟
• وهل الوقوف الآن إلى صف العلماء يتطلب تضحية، أم أنه يرتبط بمكاسب ومغانم دنيوية .
وليعلم هؤلاء البائسين وهم يعلمون : أني لو وقفت في صفوف المتزلفين والمتشدقين، لكان نصيبي من الزعامة والوجاهة والسمعة الأوفر ؟ أما مواقفي الحالية، فقد جلبت ليَّ الخسارة المادية وتشويه السمعة والأذى المادي والمعنوي، وإني قد أديت ما رأيت بأنه الحق، وتحملت في سبيله ما تحملت من الأذى والخسارة ولاأزال وأسأل الله سبحانه وتعالى ان يثبتني على الحق ونصرة المظلومين .
واجب التناصر ..
قال الله تعالى : { وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ } ( الشورى : 39 ) وقال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) في وصيته للحسنين : ” كونا للظالم خصما وللمظلوم عونا ” وقال الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا } ( النساء : 135) وقال الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } ( المائدة : 8 ) .
والخلاصة : التناصر من صفات المؤمنين، وغايته إقامة القسط وليس الاخلال به .
أما ما جاء في الحديث الشريف : ” انصر أخاك ظالما أو مظلوما ” فليس المقصود به إعانته على الظلم، فهذا خلاف الثابت من الشريعة المقدسة، وإنما المقصود أن تأخذ بيده وترشده إلى الحق والعدل ولا تتركه في عثرته، مثال : لو كنت تمشي مع جماعة في طريق، وعثر أحدكم وسقط فوق قارعة الطريق، ما هو واجب الجماعة نحوه ..
• هل يقوموا برفسه وضربه ؟
• أو يتركوه ويواصلوا الطريق بدونه ؟
• أم يأخذوا بيده وينهضوه من عثرته ليواصل معهم الطريق حتى النهاية ؟!
الجواب : حق الأخوة والصحبة يقتضي بأن يأخذوا بيده وينتشلوه من العثرة، وهذا ما يحكم به العقل والدين، ويقوم به كل شريف، والنذل من يترك صاحبه في عثرته ويواصل الطريق بدونه مع قدرته على انتشاله .
والمؤمنون هم في الحقيقة قافلة تسير إلى الله ذي الجلال والإكرام، وهو السير الوجودي الأهم في حياة الإنسان على الاطلاق، وإذا زل أحد منهم ومارس الظلم لأي أحد من الناس، فهو بمثابة من يتعثر ويسقط في الطريق أثناء السير، وواجب الأخوة والصحبة يفرض على جميع رفقاء الدرب انتشاله من عثرته، وليس رفسه وضربه والإساءة إليه كما يفعل الجهال والسفهاء من الناس .
الصفح والعفو والتجاوز بين المؤمنين وحدوده ..
قال الله تعالى : { لاَّ يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا } ( النساء : 148 ) فالرد بالمثل حق، وهو في مستوى الحالة الغريزية من الإنسان، والعفو والصفح خلق كريم، وهو حالة إنسانية نبيلة وقيمية إنسانية رفيعة تسمو فوق الحالة الغريزية، قول الله تعالى : { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ . وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ . إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ . وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ } ( الشورى : 40 ـ 43 ) ولكن الصفح لا يكون على حساب المبادئ والقيم والمصالح العامة، فمن يقع ضده خطأ سواء كان فرداً عاديا أو قيادة أو حزبا، إذا كان من أهل الإيمان فهو يتعاطى بالتسامح والصفح، أما إذا تعلق الأمر بالعدالة الاجتماعية وبالمصالح العامة، فهو مسئول عن صيانة العدل الاجتماعي والمصالح العامة للناس التي هي ميزان الحياة، فلا يسمح بأن يختل هذا الميزان الوجودي في الحياة، لأن نتيجة الاختلال هو الفساد العام في الأرض، وهذا نقيض التوحيد ورسالات السماء، قول الله تعالى : { وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ . أَلاَّ تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ . وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ } ( الرحمن : 7 ـ 9 ) فهو يتعاطى مع الآخرين بما يصون المبادي والقيم ويحفظ المصالح العامة للناس .
عدم تعارض تحمل المسئوليات العامة مع الزهد والتقوى والأخلاق ..
بعض المؤمنين وتحت عنوان التقوى والزهد يتجنبون تحمل المسئوليات العامة لكي لا يقعوا ـ بحسب زعمهم ـ تحت تأثير الرياء والسمعة وإغراءات الدنيا وما شابه ذلك، وهذا خلاف الرؤية الإسلامية، فالمؤمن الذي يحمل حقيقة التوحيد يتنافس مع إخوانه المؤمنين قربة إلى الله تعالى في سبيل الخدمة وتحمل المسئوليات العامة، قال تعالى : { وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا } ( الفرقان : 74 ) وقول الله تعالى : { وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ } ( المطففين : 26 ) وهنا أنبه إلى حقيقتين ..
• أن الرسالة الإسلامية المباركة لا يمكن أن تُحمل أو تُطبق بالروح الانعزالة التي تبتعد عن المسئوليات العامة، وإنما بالتصدي والعمل .
• أن المؤمن المتصدي للشأن العام هو أكمل روحيا وأقرب إلى الله ذي الجلال والإكرام من القاعدين، قول الله تعالى : { لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا } ( النساء : 95 ) .
ويقابل هذه الرؤية الإسلامية القول السخيف بأن الإنسان إذا اقتحم العمل السياسي فمقتضى ذلك أن يتخلى عن الأخلاق والقيم الإنسانية النبيلة، وهذه سقطة أخرى ..
• فلا الزهد والتقوى يحملان الإنسان المؤمن على التخلي عن تحمل المسئوليات العامة .
• ولا الدخول في العمل السياسي يحمل الإنسان المؤمن على التخلي عن الأخلاق .
راجعته : إدارة موقع الأستاذ .