الموضوع : كلمة الأستاذ عبد الوهاب حسين لضيوفه من شباب مشروع العمل الإسلامي من قرية بوري .
اليوم : ظهر الأحد .
التاريخ : 26 / ذو القعدة / 1427هـ .
الموافق : 17 / ديسمبر ـ كانون الأول / 2006م .
قام شباب مشروع العمل الإسلامي في قرية بوري بزيارة للأستاذ عبد الوهاب حسين في منزله بعد جولتهم على عدد من عوائل الشهداء بمناسبة يوم الوفاء للشهداء في البحرين ، وقد ألقى أحدهم كلمة بالمناسبة .. ثم ألقى الأستاذ الكلمة التالية :
أعوذ بالله السميع العليم من شر نفسي الأمارة بالسوء ومن شر الشيطان الرجيم . بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله رب العالمين . الله صل على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين .. السلام عليكم أيها الأحبة : أيها الأخوة والأبناء في الله ورحمة الله تعالى وبركاته .
في البداية : أشكركم كثيرا على التفضل بالزيارة والتكريم ، ولا يوجد ما يزعجني أو ما تعتذرون عنه في زيارتكم ، وإنما فيها ما يسرني وتشكرون عليه ، وأنتم معذورون في التأخر عن الموعد بسبب الأمطار الغزيرة التي تذكرنا بأمطار أيام زمان ، فلكم الشكر على إصراركم على البرنامج وزيارة عوائل الشهداء وفاء لهم في مثل هذه الظروف المناخية الصعبة ، فأنا أعرف وضع شوارعنا التي هي أحد مآسينا الدائمة مع هذه السلطة . وإذا كنتم ترون بأني قد ضحيت من أجلكم ، فإني أرجوا أن تكون تضحيتي لوجه الله ( جل جلاله ) وأن تكون مقبولة عنده .. وبغض النظر عن النية التي لا يعلمها غيره : فإني بحسب الظاهر قد عانيت ، وقد جاءت تلك المعاناة مع تضحيات أربعين شهيدا وخمسة عشر ألفا من المعذبين في السجون وآلاف المبعدين والمحرومين من دخول الوطن العزيز ، وانتهاكات فظيعة لا حصر لها ارتكبتها السلطة لحرمات المساجد والمآتم والبيوت والأعراض والأموال وغيرها من المقدسات وكلها في وجهي وفي وجوه إخواني أصحاب المبادرة الأعزاء .. وعليه : فأنا لا أرى أي ثمن لهذه المعاناة في هذه الحياة الدنيا الفانية ، وإذا كنتم تحبونني وتريدون لي الخير حقيقة : فادعوا لي بالثبات أمام عوامل الترهيب والترغيب وعوامل الضغط النفسي الشديدة وبالقبول وحسن العاقبة ، فهذا ما يهمني حقا وحقيقة ، ويؤرقني فقده وتضييعه ، ولا أعول على شيء بعده .
أيها الأحبة الأعزاء : إنني أخاف الزيغ والرد وسوء العاقبة ، فادعوا لي أيها المؤمنون الأوفياء بالثبات وصدق النية والقبول وحسن العاقبة ، وأن يجعل خير أيامي وأسعدها يوم ألقاه مستبشرا بالقبول والزلفى والفوز والظفر والنجاح .
وأما عن يوم الشهداء : فإني أجد صعوبة كبيرة في الحديث عن الشهادة والشهداء ، وكثيرا ما أتهرب واعتذر عن الحديث في هذا الموضوع .. وذلك : لما تمثله الشهادة من الإخلاص لله ( جل جلاله ) والصدق مع الناس . إن الشهيد يعطي كل ما يملك ، ولا يحتفظ لنفسه بشيء من هذه الدنيا ، ويذهب إلى الله ( عز وجل ) شهيدا من أجل أن يعيش الناس من ورائه بعزة وشرف وكرامة .. فأين الكلام أمام صدق الشهداء وإخلاصهم ؟
أيها الأحبة الأعزاء : إن المتحدث بصدق عن الشهادة والشهداء تبقى بينه وبين الشهادة والشهداء المسافة بين رؤية الحقيقة وفعلها ينبغي عليه قطعها في مسيرة حياته . وهناك من يتحدث عن الشهادة والشهداء ويمدح ويثني على الشهداء ، ولكنه لا يسير على خط الشهادة وهو غير مستعد لها ولا يطلبها بعمله ولا يسعى لها في حياته ، والفرق بين هذا والشهداء كالفرق السماء والأرض بل بين الروح والتراب ولا أقول بين التبر ( الذهب ) والتراب ، فالمتحدث في هذه الحالة الهابطة مادة تافهة والشهيد معنى وقيمة عالية في سماء المعاني والفضيلة . وهناك من يتاجر بدماء الشهداء ، ويتحدث عن الشهادة والشهداء في سبيل الحصول على مكاسب ومغانم دنيوية خاصة : مادية ومعنوية ، والفرق بين هذا والشهداء كالفرق بين النور والظلام والصدق والكذب والجنة والنار فهما حقيقتان متضادتان لا تلتقيان معا !! والذين يميزون بين الأصناف الثلاثة من المتحدثين قليل من الناس ، ولا يعلم نيات العباد إلا الله وحده ( جل جلاله ) والمحافظة على العمل أصعب من العمل نفسه .. لهذا كله : استصعب الحديث عن الشهادة والشهداء .
أما عن واجباتنا تجاه الشهداء فهي كثيرة .. منها :
أولا ـ الحفاوة بالشهداء وتكريمهم : قلت قبل قليل : أن الشهداء قد أعطوا كل شيء من أجل أن نعيش نحن بعزة وشرف وكرامة ، فليس أقل من أن نقابل ذلك بالحفاوة والتكريم لهم وتمجيدهم وإحياء ذكراهم ، وهذا من مكارم الأخلاق التي تقرها الإنسانية أجمع ، على قاعدة مقابلة الإحسان بالإحسان .. قال الله تعالى : { هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ } أما الإهمال والتجاهل فضلا عن الإساءة ، فليس من الأخلاق الكريمة في شيء .. وأرى : بأن كل أمة لا تحتفي بشهدائها لن تشهد الحياة الإنسانية الكريمة ولن تعيش في هذه الحياة إلا مرغمة وذليلة .. وبهذه المناسبة : اذكر الأطراف التي تسيء إلى الشهداء لأغراض سياسية ونفسية لأنها تختلف معهم ، أذكرهم بفضل الشهداء عليهم . فلولا دماء الشهداء وتضحياتهم وتضحيات أبناء الانتفاضة الأوفياء ، لما شهدنا التغيرات الايجابية التي ننعم بخيرها في البلاد اليوم !! ففضل الشهداء علينا جميعا كبير جدا ، والواجب الديني والأخلاقي والوطني يفرض علينا ـ إن كنا من أهل الكرامة والشرف والأخلاق ـ الحفاوة بالشهداء وتكريمهم وتمجيدهم لا الإساءة إليهم وإهانتهم لأغراض سياسية ونفسية حقيرة .
قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : قول الله تعالى { هل جزاء الإحسان إلا الإحسان } جرت في الكافر و المؤمن و البر و الفاجر ، ومن صنع إليه معروف فعليه أن يكافئ به ، وليس المكافأة أن تصنع كما صنع حتى يربي ( يزيد ) فإن صنعت كما صنع كان له الفضل بالابتداء .
ثانيا ـ التمسك بالمطالب والأهداف التي استشهدوا من أجلها : إن المطالب والأهداف التي استشهد من أجلها الشهداء ، ليست مطالب وأهداف صغيرة أو عادية ، فالعاقل لا يبذل روحه من أجل أهداف ومطالب عادية وصغيرة ، وإنما يبذل روحه من أجل أهداف ومطالب كبيرة ومصيرية .
أيها الأحبة الأعزاء : إننا قدمنا ما يقارب الأربعين شهيدا ، وخمسة عشر ألف معتقل ، وآلاف المبعدين والمحرومين من دخول الوطن العزيز ، وانتهكت حرمات مساجدنا ومآتمنا وبيوتنا وأعراضنا وأموالنا وغيرها من المقدسات العزيزة علينا كثيرا وصبرنا من أجل مطالبنا وأهدافنا الإسلامية والوطنية التي أعلناها ، لذا لا طاقة لنا على التخلي عنها ، إننا متمسكون بها أشد التمسك ، ولن نتخلى عنها حتى تتحقق أو يحكم الله ( جل جلاله ) بيننا وبينا قومنا بالحق وهو خير الحاكمين .
أيها الأحبة الأعزاء : إننا إما أن نكون عقلاء ومصيبين يوم ضحينا من أجل أهدافنا ومطالبنا فلا نكون عقلاء ومصيبين يوم نتخلى عنها مختارين . أو نكون عقلاء ومصيبين يوم نتخلى عنها مختارين فلم نكن عقلاء ومصيبين يوم ضحينا من أجلها .. ولا يمكن أن نكون عقلاء ومصيبين يوم ضحينا من اجلها ويوم نتخلى عنها مختارين !!
وهنا أشير إلى نقطة في غاية الأهمية : إن التمسك بالمطالب والإصرار على تحقيق الأهداف لا ينفصل بأي حال من الأحوال عن اختيار القيادة والمنهج الذي تسير عليه . فلا يمكن أن تتحقق الأهداف والمطالب إلا مع وجود قيادة تؤمن بقيمتها العالية ، وتمتلك الكفاءة والاستعداد للتضحية من أجلها ، وتتبع المنهج المناسب لتحقيقها . ومن أجل أن نتعلم ونستفيد من تجاربنا أذكر بما ذكرته في حلقة أسئلة وأجوبة رقم ( 43 ) : بأن من ينظر ويعاني ويضحي يصعب عليه كثيرا أن يبدل أو يتنازل أو يغير المسار باختياره . أما من كان مع المطالب ولم ينظر لها أو لم يعاني ولم يضحي كثيرا من أجلها أو كان من الذين يترقبون الغنائم ويفرحون بها ، فإنه يسهل عليه كثيرا أن ينتقل مختارا إلى المسار الأسهل من أجل أن يغنم أو يسلم أو لأنه لا يرى في ذلك بأسا .. وعليه : فإن أي شعب له مطالب يتمسك بها وأهداف يصر على تحقيقها ، فعليه أن يعلم بأن تلك المطالب والأهداف لا يمكن أن تتحقق إلا على يد نفس القيادات التي نظرت وعانت وضحت كثيرا من أجلها .. وهذه قاعدة مهمة يجب أن تعرفها كافة الشعوب المناضلة في العالم .
أيها الأحبة الأعزاء
أكتفي بهذا المقدار
واستغفر الله الكريم الرحيم لي ولكم
واستودعكم الله الحافظ القادر من كل سوء
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته