الأسئلة والأجوبة

مجموعة الأسئلة والأجوبة رقم – 37

أسئلة وأجوبة ( 37 )
الموضوع : أجوبة الأستاذ عبد الوهاب حسين على بعض الأسئلة التي وردت إليه في القترة الأخيرة .
التاريخ : 25 / ذو القعدة / 1426هـ .
الموافق : 27 / ديسمبر ـ كانون الأول / 2005م .

السؤال ( 1 ) : لقد طالبت في إجابة سابقة إليك الرموز العلمائية الكبيرة في التيار بأن يكونوا غطاءا ومظلة إلى جميع العاملين في التيار ، وأنت تعلم بأن بعض العاملين في التيار يصرح بوضوح أنه يختلف مع العلماء في الرأي ، فكيف تطلب من العلماء أن يكونوا غطاءا ومظلة لمن يصرح بالاختلاف معهم ؟

الجواب ( 1 ) : وفيه نقاط عديدة .. منها :

النقطة الأولى : الاختلاف في الرأي ظاهرة طبيعية وصحية وإيجابية ، وقد أشار القرآن الكريم إليها على أنها كذلك ( كما سبق توضيحه في حلقات سابقة من .. أسئلة وأجوبة ) والمطلوب هو حسن إدارة الاختلاف في الرأي .. وليس القضاء عليه .

النقطة الثانية : أن عدم الاعتراف بحق الاختلاف في الرأي مجانب للصواب ، والقضاء عليه مستحيل ، وعدم القدرة على إدارته ضعف .. وطريق إلى الفشل .

النقطة الثالثة : يوجد ( في الخارج ) نمطين من القيادة .. وهما :

النمط الأول ـ القيادة الأحادية : وهي القيادة التي لا تريد إلا رأيا واحدا في ساحة إدارتها ، فهي لا تعترف ( عمليا ) بتعدد الآراء ، ويقلقها وجود آراء مختلفة في ساحة إدارتها ، ولا تستطيع التعامل معها ، وتسعى ( بدون طائل ) لإيجاد الرأي الواحد ، وتبتعد عن كل من يختلف معها في الرأي .. وهذه في الحقيقة : قيادة ضعيفة ، وفاشلة ، وليس لديها خبرة بالطبيعة البشرية ، ومقلقة لساحة إدارتها .. ولن تكون قادرة ( قطعا ) على التقدم بها إلى الأمام .

النمط الثاني ـ القيادة التعددية : وهي القيادة التي تعترف ( نظريا وعمليا ) بتعدد الآراء ، وتثمن ( عاليا ) الظاهرة ، ويسرها وجودها في ساحة إدارتها ، وتعتمد في إدارتها على وجودها ، وتسعى لتخصيب ساحة إدارتها من أجل إيجاد الظاهرة وتطويرها وتوظيفها إيجابيا لخدمة أهداف مشروع عملها .. وهذه في الحقيقة : هي القيادة الواقعية المهيأة ( عمليا ) لأن تكون قيادة قوية وناجحة وقادرة على التقدم بساحة إدارتها إلى الأمام .

النقطة الرابعة : القيادة الأحادية لا تستطيع أن تكون ( عمليا ) قيادة لأمة أو شعب أو تيار ، لأن الأمة أو الشعب أو التيار لن يخلوا أبدا ( بأي حال من الأحوال ) من الآراء المختلفة ، وأكثر ما تستطيع القيادة الأحادية قيادته هو فريق عمل صغير . كما أن القيادة الأحادية تضعف قدرتها وتقل فرصتها ( عمليا ) في خدمة الأهداف العامة الكبيرة .. إنـها لا تسـتطيع ( قطعا ) خدمة الأهداف العامة الكبيرة وتحقق إنجازا ملحوظا فيها .

النقطة الخامسة : إن القيادة العلمائية في التيار إذا أرادت أن تكون قيادة لكل التيار ، فعليها أن تستوعب الآراء المختلفة فيه ، وأن تراعي التوازن بين كافة خطوط التيار في قراراتها ، وإلا فهي ( عمليا ) ليست قيادة للتيار ، وإنما لفريق عمل أو خط من خطوط العمل فيه فقط .

النقطة السادسة : إنني أحذر من سعي البعض ( بحسن أو سوء نية ) لحصر القيادة العلمائية في تأييد فريق أو خط من خطوط العمل في التيار دون غيره ، وأقولها بالصراحة التي يفرضها الإيمان والأمانة والصدق والمسؤولية ، إنها أنانية نتنة ( التفت أصحابها إليها أم غفلوا عنها ) يدور التحرك فيها حول الذات وليس الدين أو الشعب أو الوطن أو القضية ، وترجح فيها المصلحة الخاصة ( للفرد أو الجماعة ) على المصلحة العامة للدين والشعب والوطن . وأحذر هؤلاء النفر من أنانيتهم وإنيتهم ، وأطالبهم بأن يجعلـوا الله ( تبارك وتعالى ) والدين والوطن والقضية فوق أنفسهم ومصالحهم ، فذلك من علامات الصدق ومؤشرات حسن العاقبة ( إن شاء الله تبارك تعالى ) وأحذر العلماء الأجلاء من سعيهم .. بل منهم ، وأرى بأن على كل رمز ( تصدى للقيادة أم لم يتصدى ، صلح لها أم لم يصلح ) بأن يبسط مظلته وحمايته ( قدر استطاعته ) للجميع قربة إلى الله ( تبارك وتعالى ) لأن في ذلك مرضاة الله ومصلحة الدين والعباد .

النقطة السابعة : إن احتضان الرموز العلمائية الكبيرة ( المحترمة ) لكافة الخطوط في التيار أمر في غاية الإمكان ، وفيه فائدة ( عملية ) بالإضافة إلى فائدته العبادية والروحية والأخلاقية ، فهو السبيل الوحيد للمحافظة على وحدة التيار ( المعنوية ) وتماسكه ، ومن شأنه أن يجعل كافة الخيارات مفتوحة بيد القيادة ، ويعطيها مساحة أوسع للمناورة السياسية والضغط على السلطة من أجل تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب التي تخدم المصالح العامة لأبناء الشعب والمظلومين .

السؤال ( 2 ) : الأستاذ عبد الوهاب حسين ..
نقل عنك أنك قلت : بأن ملف الأحوال الشخصية يمثل في الوقت الحاضر أداة استنزاف خطيرة للتيار بيد السلطة ، ويوظف لديها على هذا الأساس ، واقترحت إصدار فتوى بتحريم التعامل مع البرلمان لوقف عملية الاستنزاف ، ولم توضح لدينا الصورة التي يكون فيها الملف أداة استنزاف ، ولا علاقة الفتوى بوقفه .. فهل يمكنك توضيح ذلك ؟

الجواب ( 2 ) : وفيه نقاط عديدة .. منها :

النقطة الأولى : إن القول عن ملف الأحوال الشخصية بأنه يمثل أداة استنزاف خطيرة للتيار بيد السلطة في الوقت الحاضر صحيح .. ويعود للأسباب التالية :

السبب الأول : أن للملف قيمة دينية واقعية ( ضخمة جدا ) لدى التيار ورموزه الدينية والسياسية والاجتماعية ، وهم مستعدون ( جزاهم الله تبارك وتعالى خيرا ) لتسيير المسيرات الجماهيرية الألوفية وممارسة أقصى درجات الضغط السياسي على السلطة وتقديم الدم ومهجة الفؤاد من أجل تحقيق مطالبهم التعبدية فيه .. وهذه حقيقة . بينما ليس لهذا الملف قيمة سياسية موازية لدى السلطة .. أي : أن تأخير صدور قانون الأحوال الشخصية لا يمثل للسلطة خسارة سياسية معتبرة تحملها على تقديم تنازلات من أجل صدوره .. وعليه : فإنها غير مستعدة ( عمليا ) لتقديم تنازلات للتيار تمثل لها خسارة سياسية لكي يصدر القانون ، فيمكنها الصبر سنوات طويلة حتى يصدر القانون بالشكل والمضمون الذي لا يضر بمصالحها السياسية .

السبب الثاني : نظرا لاختلال توازن القيمة للملف بين الطرفين ( السلطة والتيار ) نشأت للملف قيمة وظيفية ضخمة لدى السلطة ، حيث يمكنها توظيف الملف للضغط على التيار وابتزازه سياسيا ، فتحركه تحريكا سياسيا وظيفيا في الوقت الذي تريده ، وبالشكل الذي تريده ، بما يخدم مصالحها وأجندتها السياسية ، مما يجعل من الملف أداة ابتزاز واستنزاف لجهود وطاقات واهتمامات التيار .

النقطة الثانية : مما تقدم يتضح بأنه ليس من مصلحة التيار أن يدار الملف في ظل هذا الاختلال الفاحش للقيمة بين الطرفين ( السلطة والتيار ) وعليه ينبغي على رموز وقيادات وقوى التيار إصلاح المعادلة .. وإلا فإن الخسارة الكبيرة مؤكدة لهم في نهاية المطاف .

النقطة الثالثة : أرى في سبيل إصلاح المعادلة في إدارة الملف ، أن يلجأ رموز وقيادات وقوى التيار إلى ثلاثة إجراءات أساسية .. وهي :

الإجراء الأول : أن تستمر قوى التيار ورموزه وقياداته في ممارسة الضغوط على السلطة لمعالجة كافة جوانب الخلل الأخرى في الملف والانتهاء منها .. مثل : القضاء ، وذلك من أجل المحافظة على مصالح الناس وحمايتها من الضرر ، وإشعار الناس بالاهتمام والحرص عليهم .. وقد أشرت بالتفصيل لهذا الجانب في حلقة سابقة من حلقات ( أسئلة وأجوبة ) .

الإجراء الثاني : توقيف عملية الاستنزاف بتعطيل الوسيلة التي تستخدمها السلطة فيها أو تصعيب عملها على الأقل .. وهو البرلمان ، وذلك من خلال إصدار فتوى سياسية أو أمر سياسي بمقاطعة شعبية لكل عضو برلماني يقبل بمناقشة القانون في البرلمان أو يشارك فيها خارج دائرة الاتفاق بين السلطة والرموز العلمائية المعنية ، على غرار ما تلجأ إليه بعض الفرق الرياضية ( عند الحاجة ) إلى العمل على إخراج اللاعب الذي يشكل خطرا جديـا عليها .. ولو بكسره عمدا ، ولا يسألني أحد عن دخل الأخلاق في هذا الموضوع لأنه واضح جدا .

الإجراء الثالث : نقل اللعب بصورة فعلية ( أي على مستوى الحركة وليس على مستوى الخطاب فقط ) إلى ساحة أخرى تحفظ التوازن في القيمة لدى الطرفين ( السلطة والتيار ) مثل المطالبة بدستور جديد يوضع من خلال هيئة تأسيسية منتخبة بالكامل من الشعب ضمن دوائر انتخابية عادلة واتفاق على من تحق لهم المشاركة في التصويت ، والمطالبة باستفتاء شعبي بإشراف الأمم المتحدة لتحديد العلاقة مع العائلة الحاكمة ، على أن تضع قوى التيار ورموزه وقياداته ثقلها في التحريك الجدي لهذه المطالب ، وأن تنظر إلى الملفات الساخنة الأخرى وتتعامل معها في دائرتها وليس بمعزل عنها ، وهذه مطالب واقعية ، وحق مشروع لأبناء الشعب ، وتحفظ توازن القيمة ، وتمثل ضغوطا جدية على السلطة ، وتضمن حلولا جذرية سريعة لبعض الملفات الساخنة العالقة .. وغيره .

السؤال ( 3 ) : الأستاذ عبد الوهاب حسين ..
لقد شهد تيار الانتفاضة انقسامات خطيرة حيرت وأقلقت المخلصين من أبنائه .
( أ ) : ألا يجب عليكم ( أيها الرموز ) أن تتفقوا من أجل مصلحة هؤلاء الناس الذين أحبوكم وأخلصوا إليكم ؟
( ب ) : ما هي قراءتك لمستقبل وضع التيار على ضوء الانقسامات الحاصلة فيه ؟
( ج ) : هل أنت متفائل أم متشائم للمستقبل ؟
( د ) : هل نحتاج إلى تدخل رموز من الخارج من أجل أن نصل إلى حل ؟

الجواب ( 3 ـ أ ) : وفيه نقاط عديدة .. منها :

النقطة الأولى : أشاطرك أيها الحبيب الشعور بالألم ، وليتني أستطيع حمل الألم نيابة عنكم أيها الأوفياء المخلصون ، ولكن ليس باليد حيلة .

النقطة الثانية : مع تقديري لألمكم وإخلاصكم ، أرى بأن منهجكم في التفكير لحل المشكلة والخروج من المأزق لا يسير في الطريق الصحيح .

إنكم أيها الأحبة الأعزاء : تعلقون مصيركم على توجه الرموز والقيادات لتوحيد كلمتهم ، وتناشدونهم ذلك ، وإذا هم لم يفعلوا ، لن يتغير وضعكم ، وسوف تراوحون مكانكم ، وتزدادون كل يوم ألما على ألمكم .

أيها الأحبة الأعزاء : عليكم أن تعلموا ما هو موجود في الخارج وتتعاملوا معه بواقعية بعيدا عن العاطفة والانفعال . يوجد في الخارج ( بطبيعة الحال وبحسب أحاديث أهل البيت عليهم السلام ) رموز وقيادات تمتلك الكفاءة إلى جانب الإخلاص والتقوى ، وتوجد رموز وقيادات مخلصة إلى النخاع ويقطر منها التقوى ومخافة الله ( جل جلاله ) ولكنها لا تمتلك الكفاءة السياسية والإدارية ، فهذا عطاء اللـه ( تبارك وتعالى ) يعطي من يشاء ويمنع من يشاء ، ولا يقلل ذلك شيئا من مكانتها ورمزيتها ، وتوجد رموز وقيادات دينية تلبس عمامة الرسول الأعظم الأكـرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) وتلبس عباءته ، ولكنها تحمل قلب الشيطان الرجيم وينطق الشيطان متكبرا ومتغطرسا على لسانها سرا وجهارا .. وعليه : إذا علقتم حركتكم وربطتم مصيركم باجتماع كافة الرموز والقيادات وتوحد كلمتهم ، فقد علقتم حركتكم وربطتم مصيركم بما هو مستحيل ، ولن تفلحوا ، ولن يتغير حالكم أو تتطور أوضاعكم ، فعليكم أن تتحملوا مسؤوليتكم في اختيار منهجكم في العمل وقيادتكم ( مع الحرص على توفر الشروط الشرعية ) وتتوكلوا على الله ( تبارك وتعالى ) في شق طريق الإصلاح وتحصيل حقوقكم العادلة المشروعة .

النقطة الرابعة : لقد سبق أن قلت في حلقة سابقة من حلقات ( أسئلة وأجوبة ) أن ليس كل اتفاق مرحب به وليس كل اختلاف مدان .. فقد يكون العكس : فإذا جاء الاتفاق على حساب القضية والهدف ، فهو اتفاق مدان وتجب البراءة منه ، وإذا جاء الاختلاف لخدم القضية والهدف ، فهو اختلاف مرحب به وينبغي على المؤمنين تبنيه وتقديم كل أشكال الدعم والمساندة إليه .

والخلاصة أيها الأحبة الأعزاء : ينبغي علينا أن نجعل الأهداف والقضايا ( الدينية والوطنية ) فوق الأشخاص .. وليس العكس ، وأن نحذر من التقليد الأعمى ، وأن نكون حريصين على فهم وتطبيق المبادئ والقيم بصورة واقعية صحيحة ، لكي نكون موحدين ومخلصين حقا وحقيقة وصدقا .

روي عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) أنه قال لرجل من أصحابه : ” لا تكن إمعة تقول أنا مع الناس وأنا كواحد من الناس ” ( البحار . ج 2 . ص 82 ) .

وعن سفيان بن خالد أنه قال : قال أبو عبد الله ( عليه السلام ) : ” يا سفيان إياك والرئاسة ، فما طلبها أحد إلا هلك .. فقلت له : جعلت فداك قد هلكنا إذا ، ليس أحد منا إلا وهو يحب أن يذكر ويقصد ويؤخذ عنه .. فقال : ليس حيث تذهب إليه ، إنما ذلك أن تنصب رجلا دون الحجة فتصدقه في كل ما قال ، وتدعو الناس إلى قوله ” ( البحار . ج 2 . ص 83 ) .

وقال الله تبارك وتعالى وهو خير قائل : { وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ . اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهًا وَاحِدًا لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ } ( التوبة : 30 ـ 31 ) .

في الحديث : أن أبي بصير سأل أبي عبد الله ( عليه السلام ) عن قول الله ( تبارك وتعالى ) : { اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللّهِ } فقال : ” أما والله ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم ، ولو دعوهم إلى عبادة أنفسهم ما أجابوهم ، ولكن أحلوا لهم حراما ، وحرموا عليهم حلالا ، فعبدوهم من حيث لا يشعرون ” ( البرهان . م2 . ص 120 ) مع التنبيه على أن جوهر المسألة المطلوب في الاستدلال هو عدم جعل الأشخاص مهما كانوا فوق الأهداف والقضايا .. وفي غيره نقاش كثير .

الجواب ( 3 ـ ب ) : سوف أسعى إلى الوضوح في الإجابة على السؤال ( قدر المستطاع ) مع مراعاة التوازن والاختصار والمصلحة العامة ( الدينية والوطنية ) والأمانة والصدق ومسؤولية الكلمة .. وفي الجواب نقاط عديدة منها :

النقطة الأولى : أن التجربة قد أثبتت بأن المنهج والأداء المعتمدين حاليا لدى مؤسسات ورموز وقيادات التيار عامة ( غير قادرين ) على حل القضايا الساخنة والمصيرية في الساحة الوطنية والتقدم بها إلى الأمام وكسب ثقة الجماهير ، وما لم يصحح الوضع ( بإصلاح جوانب الخلل أو إيجاد البديل المناسب ) فإننا ( بحسب تقديري ) سوف نخسر ( كثيرا ) في الدين والدنيا .

النقطة الثانية : لقد ظهرت حركة حق واللجان الشعبية كبديل في الساحة الوطنية غير منفصل ( موضوعا ) عن التيار ، وهذا البديل يعتمد ( بحسب رأيي ) منهج صائب وفـاعل إجـمالا ( بغض النظر عن التفاصيل والاعتبارات الأخرى ) أعتقد أنه قادر على تحقيق بعض التقدم في الملفات الساخنة وكسب ثقة الجماهير ( لو توفرت له باقي الشروط ) وسوف يحصل فعلا بعض التقدم ( إن شاء الله تعالى ) ولو بسبب الضغط الذي يسهل مهمة الخطوط الأخرى المشاركة في العملية السياسية . وفي تقديري : أن هذا البديل سوف ينجح في إثبات الحاجة إلى البديل بوجه عام ، ولكنه سوف يواجه صعوبات ولن ينجح في إثبات أنه البديل المناسب ، وما لم يصحح هذا الوضع ، فإننا سوف نخسر ( أيضا ) في الدين والدنيا ، فالخسارة تحاصرنا ما لم نصحح وضعنا بصورة جذرية مناسبة .

النقطة الثالثة : أرى بأن السبب الرئيسي الذي سوف يعيق تقدم البديل وإثبات أنـه البديل المناسب يعـود ( بحسب تقديري ) إلى طبيعة التكوين وعدم وضوح الغطاء الشرعي ، وإذا حافظ البديل على منهجيته وأحسن الأداء ، ونجح في تدارك جوانب الخلل ، فسوف يمكنه أنجاز تقدما ملحوظا في الساحة الوطنية ، وخدمة أفضل للملفات الساخنة .

الجواب ( 3 ـ ج ) : وفيه نقاط عديدة .. منها :

النقطة الأولى : أنا أشعر بالتفاؤل رغم الجراح والمرارة وقسوة الألم ، وسر شعوري بالتفاؤل يعود إلى ثقتي بإخلاص الناس إلى ربهم ودينهم ، ووعيهم ، وحركيتهم ، وكفاءتهم ، وبحثهم الدؤوب والمتواصل عن الحل .. وأرى : بأنهم قادرون ( عمليا ) على تجاوز الصعوبات والوصول إلى الحل المناسب في نهاية المطاف والعمل به .

إني أرى بأنهم يتحركون فوق الركام وليس تحته ، والركام يحزنهم ويعيق حركتهم ، ولكنهم يكافحونه بصدق وإخلاص وعمل دؤوب ومتواصل ، وسوف ينجحون في اجتيـازه ، ويصلون ( بإذن الله تبارك وتعالى ) إلى جادة الطريق ، إنهم ذاهبون إلى الله ذي الجلال والإكرام .. وسوف يمنحهم السلامة والأمان ويوفيهم أجورهم بغير حساب .

النقطة الثانية : لقد قلت : أن شعوري بالتفاؤل لا يخلو من الشعور بالمرارة والألم ، وأقول أيضا : بأنه لا يخلو من الفرح والسرور .

إن التيار يمتلك ( بحق ) من الكفاءات الشابة المبدعة والقادرة والفاعلة بالقدر الذي يمكنه في الساحة ويجعل منه عملاقا ، وأرى بأن هذه الكفاءات تمتلك ( أيضا : بحسب التجارب ) الوفاء والصدق والإخلاص والانضباط والقابلية للتجميع والتوظيف ( بسهولة ويسر ) إذا توفرت المنهجية الصحيحة التي تعتمد دور الجماهير كعنصر رئيسي في العملية السياسية وصناعة القرار ، وتحرص على توظيف طاقاتهم ومواهبهم وتطلعاتهم ومبادراتهم ، وإذا توفرت الإدارة الناجحة للعملية السياسية وللآراء والجهود .. وهذا يدعو إلى السرور . إلا أن هذه الطاقات ( اليوم ) مبعثرة ومضيعة ومعطلة بسبب غياب المنهجية الصحيحة وغياب الإدارة الناجحة ، وهذا يثير الألم ويدعو إلى الحزن ، ويزيد في الحزن والألم ، أن بعض الكفاءات الشابة التي لم تطيق السكون ولم تقبل التطويع ، تمثل الـيوم مصدر قلق لبعض مؤسسات التيار وبعض رموزه وقياداته ، بنفس القدر الذي تمثله للخصوم !!

الجواب ( 3 ـ د ) : بحسب تقديري : الخسارة تحاصرنا ، وإننا في حاجة ماسة ( تصل إلى حد الضرورة ) إلى تدارك الوضع وإصلاح جوانب الخلل فيه .. وما لم نفعل : فإن خسارتنا سوف تكون كبيرة .. كبيرة .. كبيرة في الدين والدنيا . وأرى ( بحسب التجربة عندي ) أننا ( ربما ) نكون غير قادرين على الوصول إلى حل جذري مناسب بدون تدخل رموز كبيرة معتبرة من الخارج .

السؤال ( 4 ) : في ظل المناقشات الشبابية لموضوع الغطاء الشرعي برزت لدينا أسئلة عديدة نطلب منك الإجابة عليها .
( أ ) : هل يثاب المؤمنون إذا أمرتهم القيادة الشرعية بالتزام الهدوء فاستجابوا إليها ؟ وبحسب توصيفك : هل تعد استجابتهم هذه عملا تعبديا ؟
( ب ) : هل يمكنك ذكر بعض الآراء الفقهية في مسألة الغطاء الشرعي ؟
( ج ) : ألا ترى بأن الشباب رغم تأكيدك على الغطاء الشرعي لم يتوقفوا عن العمل رغم عدم توفر الغطاء .. ما هو تفسيرك لذلك ؟
( د ) يؤخذ عليك : تأثرك بحاشيتك . ما هو تعليقك ؟
( هـ ) : ألا تجد أن وضعك الحالي يضعف وجودك ودورك في الساحة رغم أننا في أمس الحاجة إليك ؟
( و ) : ألا ترى أنه على رغم استفاضتك في الاعتذار ، لا زالت الجماهير تطالبك بالعودة ؟

الجواب ( 4 ـ أ ) : وفيه نقاط عديدة .. منها :

النقطة الأولى : إذا أمرت القيادة الشرعية المؤمنين بالتزام الهدوء في وقت معين ، واستجابوا إليها طائعين ، فإن استجابتهم هذه تعد عملا تعبديا راقيا يثابون عليـه عند الله ( تبارك وتعالى ) يوم القيامة .. وهو المطلوب منهم شرعا .

في الحديث عن الإمام الباقر ( عليه السلام ) أنه قال : ” والله الذي صنعه الحسـن بـن علي ( عليه السلام ) كان خيرا لهذه الأمة مما طلعت عليه الشمس ، والله لفيه نزلت هذه الآية { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ } إنما هي طاعة الإمام ( عليه السلام ) فطلبوا القتال ، فلما كتب عليهم القتال مع الحسين ( عليه السلام ) { َقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ } وقوله { رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ } أرادوا تأخير ذلك إلى القائم ( عليه السلام ) ” ( البرهان . م 1 . ص 395 ) .

النقطة الثانية : لقد تعرض المسلمون في مكة المكرمة إلى الكثير .. الكثير من الظلم والاضطهاد والتعذيب الشديد من قبل المشركين ، وكان بعضهم يذهب للرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يطلب منه الإذن بالقتال ، فكان ينهاهم عن القتال ، لأن المسلمين يومئذ كانوا قلة والمشركون كثر ، والظروف لم تكن مهيأة ليكون القتال في مصلحة المسلمين وخدمة دينهم الوليد ، حيث يكون قتالهم آنذاك بمثابة الانتحار والقضاء على الوجود ، وكان الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) يقول لهم : لم أؤمر بقتال ، أمرت بالعفو ، أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة ، فكان ينهاهم ويهيئهم ويعدهم للمواجهة التي تنتظرهم في المستقبل ، حينما تكون الظروف مهيأة لها ، فلم يكن موقفه ( صلى الله عليه وآله وسلم ) استسلاما أو قبولا ورضوخا للأمر الواقع ، ولم يكن مجردا من الاستعداد للمواجهة المستقبلية ، وكان ( صلى الله عليه وآله ) يبث في قلوب أصحابه روح الثقة والأمل بزوال سلطان البغي والعدوان .. هكذا هو الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) .

النقطة الثالثة : لقد ضعف أناس أمام محنة الصبر ( الكف المرحلي المحسوب عن المواجهة ) وطالبوا بالقتال في مكة ، وهؤلاء هم ( أيضا ) لم يصبروا أمام محنة القتال لما أمروا به في المدينة المنورة ، فكانوا يفرون من القتال .. ويقولون : ربنا لم فرضت علينا القتال ؟ لولا تركتنا نموت حتف أنوفنا ، وذلك لتعلقهم بالدنيا ، وعدم إدراكهم لحقيقة وعمق التكليف ، وهذا يكشف إلينا بوضوح : بأن مطالبتهم السابقة بالقتال في مكة المكرمة ، لم تكن حماسة للحق وغضبا من أجل الله ( تبارك وتعالى ) بل كانت ضعفا وجزعا وغضبا من أجل النفس وإشباع شهوة الاعتداء أو الانتقام .. وفي الحقيقة : فإن مثل هذا الغضب ( غير النبيل ) لا يستطيع الصمود في المحن الصعبة الحقيقية ، لا في الحرب ولا في السلم ، ويجر صاحبه بحماقته إلى شقاء الدنيا والآخرة ، إنما يصمد المؤمنون الصادقون أصحاب البصائر ، الذين يعرفون حقيقة التكليف وعمقه ، ويعدون للأمر عدته .. فلا نامت عيون الجبناء ولا الضعفاء ولا المتهورين .

قال الله تعالى : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ ( عن القتال في مكة المكرمة ) وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ ( في المدينة المنورة ) إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً . أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ وَإِن تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِ اللّهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَـذِهِ مِنْ عِندِكَ قُلْ كُلًّ مِّنْ عِندِ اللّهِ فَمَا لِهَـؤُلاء الْقَوْمِ لاَ يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا . مَّا أَصَابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَمَا أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفْسِكَ وَأَرْسَلْنَاكَ لِلنَّاسِ رَسُولاً وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيدًا } ( النساء : 77 ـ 79 ) .

وفي الحديث عن ابن عباس : أن عبد الرحمن بن عوف وأصحابا له أتوا النبي ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بمكة فقالوا : يا نبي الله !! كنا في عزة ونحن مشركين ، فلما آمنا صرنا أذلة .. قال : ” أمرت بالعفو فلا تقاتلوا القوم ” فلما حوله الله إلى المدينة أمر بالقتال فكفوا ، فأنزل الله { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ } الآية .
( تفسير القرآن العظيم . ابن كثير . ج1 . ص 526 ) .

النقطة الثالثة : يستفيد المؤمنون من هذا الموقف دروسا كثيرة تنفعهم في الحياة .. منها :

الدرس الأول : يقول آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله : ” ولعل جو الآية يوحي بمثل هذا الجو الذي تتحدث عنه القصة ( أسباب النزول ) لأن القرآن يتحدث عن بعض الأوضاع القلقة التي كان يعيش فيها المجتمع المؤمن في مواجهته لتحديات الكفر ، وذلك كأسلوب قرآني تربوي يعلمنا أن لا نؤكد دائما على الجوانب الايجابية في مجتمعنا ، فنتحدث عن نقاط القوة فيه والجوانب المشرقة في داخله ، بل لا بد لنا من التأكيد أيضا على الجوانب السلبية ، فنتحدث عن نقاط الضعف والجوانب المظلمة في داخله ، لأن ذلك هو السبيل الوحيد لوضوح الرؤية وسلامة المسيرة ، عندما يتطلع العاملون إلى المجتمع كما هو في طبيعته الواقعية ، فيعرفون كيف يتصرفون بطريقة عملية من خلال نقاط الضعف والقوة معا ، ليخططوا للعمل على هذا الأساس . أما إذا انطلقنا في إثارة الموضوع أمام أنفسنا وإخواننا من جانب واحد ـ ايجابيا كان أو سلبيا ـ وألغينا الجانب الآخر ، فسيترك ذلك تأثيرا على سلامة الخط ويعرض المسيرة للارتباك أو الانهيار ” ( من وحي القرآن . ج7 . 358 ) .

الدرس الثاني : من الناحية الإسلامية : فإن الموقف الذي نتخذه ونتعبد به إلى الله ( تبارك وتعالى ) هو الموقف الذي نطمئن بصورة واقعية ( بعد الدراسة المتأنية العميقة ) إلى أنه يخدم قضايانا الإسلامية والوطنية بصورة فعلية .. بعيدا عن التهور أو ضعف .

الجواب ( 4 ـ ب ) : لقد أشرت في حلقة سابقة من حلقات ( أسئلة وأجوبة ) إلى رأي سماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله ، وآية الله العظمى السيد علـي السستاني ( أمد الله تعالى في ظلهما المبارك ) وسوف أضيف ( باختصار شديد ) مسألة في الموضوع ( بهدف التثقيف ) أرجو أن تكون ذات فائدة إلى إخواني المؤمنين ، وإني أفضل التوجه بالسؤال إلى مراجع التقليد والعلماء الأجلاء بدلا من التوجه به لأمثالي .

المسألة : من الآراء الفقيهة التي تقول بولاية الفقيه ، وأن الحركة يجب أن يتوفر لها غطاء شرعي من البداية .. رأي يقول : إن لكل فقيه جامع للشرائط حق الولاية .. وعليه : فإنه يمكن أن يشكل غطاء شرعيا للحركة . بينما يوجد رأي آخر يقول : بأن الغطاء الشرعي لأي تحرك سياسي ( في الوقت الحاضر ) يجب أن يكون من ولي أمر المسلمين حصريا ، وليس من كل فقيه وإن كان مرجعا للتقليد .. بتفاصيل استشهادية يخرج ذكرها عن دائرة هذه الحلقات .

الجواب ( 4 ـ ج ) : وفيه نقاط عديدة .. منها :

النقطة الأولى : لقد ذكرت في حلقة سابقة من حلقات ( أسئلة وأجوبة ) بأن فهم المؤمنين الأعزاء لمسألة الغطاء الشرعي للتحرك السياسي متفاوت كتفاوت فهمهم لأية مسألة فقهية أخرى .. وأن موقفهم منها يختلف باختلافهم في الاجتهاد أو التقليد .

النقطة الثانية : أشرت ( أيضا ) في حلقة سابقة من حلقات ( أسئلة وأجوبة ) إلى أن الضغوط التي تمارسها السلطة على أبناء الشعب المحرومين تفوق في قسوتها وشراستها طاقة الكثيرين منهم بل أغلبهم على الصبر ( والإيمان درجات ) وهذا يدفع بعضهم للخروج والتعبير عنما في نفسه قهرا ، لا سيما في ظل الشعر بالإحباط والإهمال والسكوت والتقصير وعدم الفاعلية ممن يفترض أنهم يعبرون عنهم ، ويحملون قضاياهم ويدافعون عنها ، ويوفرون لهم الحماية الدينية والمعنوية .

النقطة الثالثة : الإيمان درجات كما قلت ، والجماهير أيتام آل محمد ، والعلماء هم المسؤولون عن رعايتهم وحمايتهم ، وسوف يسألون عنهم أمام الله ( جل جلاله ) يوم القيامة ، والوضع جد خطير .. وأرى : بأنه إذا لم يصحح الخلل في أداء ووضع بعض رموز وقيادات ومؤسسات التيار ، فإننا سوف نخسر الكثير .. الكثير في الدين والدنيا .

قال الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) : ” أشد من يتم اليتيم الذي انقطع عن أبيه ، يتم يتيم انقطع عن إمامه ولا يقدر على الوصول إليه ، ولا يدري كيف حكمه فيما يبتلى به من شرائع دينه ، ألا فمن كان من شيعتنا عالما بعلومنا ، وهذا الجاهل بشريعتنا ، المنقطع عن مشاهدتنا ، يتيم في حجره ، ألا فمن هداه وأرشده وعلمه شريعتنا ، كان معنا في الرفيق الأعلى ” ( البحار . ج 2 . ص 2 ) .

الجواب ( 4 ـ د ) : وفيه نقاط عديدة .. منها :

النقطة الأولى : ليست لي حاشية ( قطعا ) ولست في حاجة إليها ، وإذا دعت الحاجة عودتي إلى الساحة ، فسوف يكون عملي ضمن فريق مأطر بصيغة تنظيمية ، ومحكوم بآليات محددة ومتفق عليها في اتخاذ القرار ، وهذا لا علاقة له بالحاشية أو الشلة ، وهو ما حرصت عليه في تجاربي السابقة ، الأمر الذي يعرفه كل الذين عملت معهم .

النقطة الثانية : هناك تصوران للتأثر بمن يفترض أنهم حولي أو قريبين مني ، أحدهما ممدوح والآخر مذموم .. وهما :

التصور الأول ـ الممدوح : وهو أني أسمع النصيحة وأحسن الظن والاستماع والتقدير والاحترام لمن يفترض أنهم حولي أو قريبين مني ، وأبني أقوالهم على الصدق ، ولا أرميهم بالكذب وسوء النية ، وأستشيرهم فيما تنبغي فيه الاستشارة ، فإن كان هذا هو التصور ، فهو صحيح ، وهو تصور يعتبره علماء النفس من نقاط القوة والنور في الشخصية ، وأنا أسعى جهدي لتطبيقه والعمل به ، لأنه من الآداب والأخلاق العالية التي علمنا إياها ديننا الإسلامي الحنيف ، وأن بطلها الأول ومصداقها الأكمل ، هو الرسول الأعظم الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) حتى قال عنه المنافقون أنه أذن .

قال الله تعالى : { وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ مِنكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } .
( التوبة : 61 ) .

التصور الثاني ـ المذموم : وهو إني لا أدقق في الأشخاص الذين يفترض أنهم حولي وقريبين مني أو لست بصيرا بهم ، وأني أصدق وأحسن الظن ( بدون تدقيق ) في كل الذي يقولونه لي ، وأتصرف ( على غير بصيرة ) بناءا على رغباتهم أو تحت تأثيرهم .. وأرى : بأن هذا التصور غير صحيح ، ومجانب للحقيقة ، ومخالف لنتائج التجربة ، والذين يقولونه ليسوا قريبين ولا مطلعين .. فأنا ( بحسب نفسي ) : أدقق ( نقديا : بحسب طاقتي ) في كل الذي أسمعه ( بغض النظر عن قائله ) وأحلله ( نظريا وعمليا ) ولا أعمل إلا بما أقتنع أنه حق وصواب ، وأنه يخدم المصلحة العامة للدين والعباد ، حتى وصفني بعض القريبين الذين أحبهم بالعناد ، وهذا ( بحسب تقديري ) ليس بحق أيضا ، فأنا ( بحسب نفسي ) أحرص بشدة على معرفة الحق والصواب وأتمسك بهما ولا أتمسك بغيرهما .. والله المعين والمستعان .

الجواب ( 4 ـ هـ ) : أوافق الأخ السائل حول ضعف الوجود والدور ، فالنمو يأتي مع الحركة وليس وراء السكون إلا الضمور ، ولكن ليس هذا هو المهم ، فالمهم هو تحصيل رضا الرب ( العزيز الحكيم ) وحفظ الأمانة بالمحافظة على مصالح الناس وعدم الإضرار بها في سبيل الذات المتضخمة ، والذات المتضخمة ذات مريضة متعفنة . أسأل الله ( جل جلاله ) أن يعينني على نفسي ( الأمارة بالسوء ) ويقني شرها ، وأن لا يكون سكوني سكون الضعيف أو المتقاعس أو الكسلان أو الأعمى أو المتهاون بأمور المسلمين ، وأن يمنحني الصبر والقوة على أداء التكليف وخدمة المؤمنين في كل الأحوال ، إنه سميع عليم ، وهو كل يوم في شأن .. يا رب .

الجواب ( 4 ـ و ) : لقد قلت حيلتي في إقناعهم ، والله خير العاذرين ، وخير راحم ، وخير معين ومستعان .

السؤال ( 5 ) : لقد أقدمت السلطة في البحرين على اعتقال سماحة آية الله الشيخ محمد سند في مطار البحرين عند عودته من الجمهورية الإسلامية في إيران .
( أ ) : ما هي قراءة الأستاذ للحدث ؟
( ب ) : كيف يقيم أداء السلطة وردة فعل الجماهير فيه ؟
( ج ) : ما هي العلاقة بين الطائفية والمطالبة بالاستفتاء الذين ذكرهما الشيخ في بيانه ؟
( د ) : هل تتوقع سعي السلطة لاحتواء الشيخ ؟

الجواب ( 5 ـ أ ) : وفيه نقاط عديدة .. منها :

النقطة الأولى : الرسالة الأولى التي نستلمها من الحدث .. هي : أنه لا يوجد أحد من الرموز أو غيرهم ، بمأمن من عقوبة السلطة ، فكل من تكون له أطروحات أو مواقف جدية تشكل خطرا على مصالح السلطة وأجندتها فهو عرضة لعقابها ، وهذا ما ينبغي أن يأخذه الجميع بعين الاعتبار .. ويبنى عليه التقييم .

النقطة الثانية : يربط المراقبون بين الاعتقال لسماحة الشيخ وخطابه في السنابس الذي طالب فيه باستفتاء شعبي بإشراف الأمم المتحدة لتحديد العلاقة مع العائلة الحاكمة في البحرين ، وقد أقر سماحته ( ضمنا ) في البيان الذي أصدره بمناسبة اعتقاله العلاقة بين الاعتقال والخطاب المذكور .

النقطة الثالثة : إن اعتقال سماحة الشيخ على أساس الخطاب ( وهو الواقع بحسب تقديري ) يدل ( سياسيا ) على أن المطلب الذي طرحه سماحته في الخطاب ( وهو الاستفتاء ) مطلب واقعي يمكن أن يمثل محورا لتحرك سياسي جدي للمعارضة ، ولو أن السلطة لا تعتقد واقعية المطلب وصلاحية جعله محورا لتحرك سياسي جدي للمعارضة ، لما سبب لها كل هذا القلق الكبير الذي أبرزه حادث الاعتقال .

النقطة الرابعة : إن أطروحة الاستفتاء تعتبر أطروحة جديدة ومتميزة بالنظر إلى أطروحات المعارضة في الوقت الحاضر ، وهي تجمع عددا من الخصوصيات المهمة .. منها : القوة والجدية والواقعية والتميز وارتفاع السقف وفتح القضية ( عالميا ) على المؤسسات الدولية ، مما يعطيها بعدا وعمقا وأهمية .. وأرى : بأن الظهور السياسي لسماحة الشيح من خلال هذه الأطروحة ، يعد ظهورا موافقا من الناحية السياسية .

النقطة الخامسة : لقد برزت خاصية إيجابية أخرى مهمة في أداء سماحة الشيخ ، وهي خاصـية ( الثبات على المطلب ومعاودة الطرح ) فلم يهمل سماحته المطلب ، وإنما عاود طرحه مرات عديدة ، ولم يتراجع عنه عندما مورست عليه الضغوط ، وإنما أصر عليه وتوسع في التأسيس الفكري والقانوني والسياسي له ، وهذا يعطي للخطاب وصاحبه مصداقية كبيرة وثقة ، وهو من أهم خصوصيات الخطاب الإسلامي المبدئي ، وشرط من شروط كسب الثقة والنجاح في العمل .

النقطة السادسة : لقد شعرت بالتفاؤل والسرور للحدث ، إنه أعطاني شيا جديدا من الأمل .

الجواب ( 5 ـ ب ) : وفيه نقاط عديدة .. منها :

النقطة الأولى : أرى بأن خطوة الاعتقال لم تكن مدروسة بشكل جيد من قبل السلطة ، فقد عاد الاعتقال بسلبيات كثيرة عليها ، فقد شهر حادث الاعتقال سماحة الشيخ وأطروحة الاستفتاء ونشرها عالميا ، وأعطيت الأطروحة دفعة قوية للأمام ، وخلقت أرضية لمناقشتها وإمكانية تبنيها كخيار سياسي لبعض خطوط المعارضة .. وفي نفس الوقت : اضطرت السلطة للإفراج عن سماحة الشيخ ( مرغمة ) في نفس الليلة التي اعتقال فيها ، مما أعطى لسماحته قوة ومكانة وثباتا .

النقطة الثانية : أرى بأن الجماهير ينبغي عليها أن تحمي رموزها وقياداتها التي تتبنى قضاياها وتدافع عنها بصدق واستماتة وإخلاص ، وأن تلتف حولهم وتحميهم من بطش الأعداء والخصوم وكل أشكال الاستهداف ، وهذه من سمات المؤمنين الصادقين الأوفياء ، وشرط من شروط التقدم والنجاح لأية ثورة أو حركة إصلاحية في العالم .

النقطة الثالثة : لقد أثبت سلوك الجماهير في الاحتجاج على اعتقال سماحة الشيخ محمد سند جدواه وفاعليته ، ولو تم الاعتماد على المناشدات والاتصالات الهاتفية والاستجداء من المسؤولين ، لطال سجن سماحة الشيخ كغيره ، ولتجلى الذل والهوان وفرض الشروط ، ولكن الله ( تبارك وتعالى ) سلم ببركة وفاء الجماهير وإخلاصهم .

النقطة الرابعة : ينبغي على القيادات والجماهير أن تعرف وتحدد موقفها بوضوح وحزم من القوانين التي تقيد الحريات ، والتي من شأنها أن تمنع أو تعيق حركة الإصلاح والمطالبة بالحقوق ، فإنه ليس لهذه القوانين من حرمة ، ويجب انتهاكها في سبيل المطالبة بالحقوق وإقامة الحق والعدل والفضيلة ، والتضحية بتحمل النتائج التي ترتبها السلطات على الانتهاك لهذه القوانين المجحفة ، وإذا لم تفعل القيادات والجماهير ذلك ، فإن الحكومات المستبدة لا تحتاج لأكثر من إصدار مثل هذه القوانين لكي تبقي الشعوب أسيرة الدكتاتورية والاستبداد والاستعباد والظلم والتخلف والفساد بكافة أشكاله .

والخلاصة : إن الخضوع لمثل هذه القوانين الاستبدادية الظالمة أو انتهاكها وتحمل تبعات الانتهاك .. هو الذي يضع الحد الفاصل بين جدية المطالبة بالحقوق والإصلاح أو عبثيتها .

الجواب ( 5 ـ ج ) : أرى بأن قضية التمييز الطائفي الذي تمارسه السلطة ضد المواطنين الشيعة ونشر الفكر التكفيري مسألتين جديرتين بالكثير من العناية والاهتمام ، وأن سماحة الشيخ طرحهما كجريمتين ضد الإنسانية تعاقب عليهما القوانين الدولية ، ودليل على عدم عدالة النظام ، إلا أنني ( كاجتهاد خاص ) لا أرى بأن سماحته يؤسس من خلالهما إلى مطلب الاستفتاء ، وإنما يرى فيهما مسألتين ذات أهمية كبيرة في المطالبة بالحقوق والإصلاح ، وأرى بأنه يمتلك قدرة أكبر على التأسيس الفكري والسياسي والقانوني للاستفتاء ، أعمق وأصلب من مسألتي : التمييز الطائفي ونشر الفكر التكفيري .

الجواب ( 5 ـ د ) : لا أستبعد سعي السلطة لاحتواء سماحة الشيخ ، فهذا ديدنها وهذه سياستها ، والمطلوب من سماحة الشيخ توخي الحذر في إدارة القضية ، وأرى بأنه يمتلك الكفاءة النفسية والفكرية لكي يخرج منها بسلام .

أيها الأحبة الأعزاء
أكتفي بهذا المقدار
واستغفر الله الكريم الرحيم لي ولكم
واستودعكم الله الحافظ القادر من كل سوء
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.