فهرس خطب الجمعة عام 2002

خطبة الجمعة بتاريخ 25-01-2002

نص الكلمة التي ألقاها الاستاذ بتاريخ 25 يناير 2002 م

الخطبة الدينية : مع الصادقين .. رؤية في العلاقات والمواقف
الخطبة السياسية : الفراغ القيادي – المطالبة بالحقوق

( ذا وجد فراغ قيادي في أمة من الأمم أو جماعة من الجماعات فلا يجوز لهذه الأمة أو الجماعة أن تفكر في مصالح أو مكاسب أو تقدم أو مشاركة ؛ فهي أمور متأخرة )
( خطران يقفان أمام تشكيل القيادة وصياغتها ..الأنانية والتشبث بالمصالح الشخصية والمجاملة ومراعاة الأشخاص على حساب المصلحة العامة )
( يجب أن نحتفظ للأمة بحقها في المطالبة بحقوقها ولا يجب للرموز أو المؤسسة أن تعطل دور الأمة في المطالبة بالحقوق خاصة في حالة العجز ، فإذا كان الرمز أو كانت المؤسسة عاجزة عن المطالبة بالحق فلا يجوز لها أبدا أن تمنع الأمة عن المطالبة بحقوقها ، ويجب عليها تقديم الدعم والمساندة للناس في هذه المطالبة ، ويجب على المؤسسات إذا كانت تتملك كادرا قانونيا أن تكرس خبرات هذا الكادر ليقدم لهم الحماية لكي لا يقعوا في الخطأ )
( للناس أن يستخدموا كل الأساليب المشروعة ، فينوعوا في أساليبهم ويصعدون في المطالبة بثلاثة شروط ، أن تكون المطالبة بنهج سلمي ، وأن تكون بأساليب مشروعة ، وأن تأخذ الظروف الموضوعية بعين الاعتبار )

( نحن نجد بأن الشباب لا يدققون كثيرا في انتماءاتهم الثقافية فيما يتعلق بالمدارس الأدبية ومدارس الفن ، ونجد بأن هناك أقوالا رهيبة لشبابنا بخصوص انتماءاتهم ومدارسهم الثقافية والإيديولوجية ، وهي بعيدة تماما عن رؤى الإسلام والقرآن )
( الصبغة الإيمانية والإسلامية في الساحة الثقافية مسئولية العلماء وطلاب العلوم الدينية والمثقفون الإسلاميون بالدرجة الأولى ، وهذا الغياب للعلماء وطلاب العلوم الدينية من الساحة الثقافية غياب غير مبرر ، وعلى العلماء وطلاب العلوم الدينية والمثقفين الإسلاميين أن يتحملوا مسئوليتهم في النهوض بالمشروع الثقافي الإسلامي فيفعلوا هذا الانتماء للصادقين )
( هؤلاء الذين تمثل حياتهم ( ظاهرة كلامية ) بعيدا الأفعال لا تكونوا معهم ، فهم يقولون الكثير ويفعلون القليل ، ويحولون الفشل إلى نجاح ، وينفخون في المشاريع الصغيرة ويحولونها إلى كبيرة وعملاقة )

أعوذ بالله السميع العليم من شر نفسي و من سوء عملي و من شر الشيطان الغوي الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، اللهم صل على محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين وأصحابه المنتجبين ومن اتبعه بإحسان إلى قيام يوم الدين ، السلام عليك يا رسول الله ، السلام على أمير المؤمنين ، السلام على فاطمة الزهراء سيدتي وسيدة نساء العالمين ، السلام على خديجة الكبرى ، السلام على الحسن والحسين ، السلام على جميع الأوصياء ، مصابيح الدجى ، وأعلام الهدى ، ومنار التقى ، والعروة الوثقى ، والحبل المتين والصراط المستقيم ، السلام على الخلف الصالح الحجة بن الحسن العسكري روحي وأرواح المؤمنين لتراب مقدمه الفداء ، السلام على العلماء والشهداء ، السلام على شهداء الانتفاضة ، السلام عليكم أيها الأحبة ، أيها الأخوة والأخوات في الله ورحمة الله وبركاته .

قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) صدق الله العلي العظيم .

ماذا يفعل ؟

في هذه الآية الشريفة المباركة إضاءة وتحذير . ( يا أيها الذين آمنوا ) الله – جل جلاله – يخاطب المؤمنين بما هم مؤمنين ، والمؤمن إذا خاطبه الله ، ماذا يفعل ؟ وماذا يكون حاله ؟ هل يضع أصابعه في أذنيه لكي لا يسمع أم يصغي ويستمع جيدا ؟!! ، هل يستوحش من هذا الخطاب الإلهي أم يأنس به ؟! ، هل يتجاهل الخطاب أم يعتني به جيدا ويعمل بما يؤمره به ؟! .. لا شك أن المؤمن بما هو مؤمن إذا خاطبه الله يصغي جيدا ويستأنس بالخطاب ويستجيب لهذا الخطاب.

اتقوا الله …

( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ) بعد أن خاطبهم الله بالإيمان ؛ أمرهم بتقوى الله ، وكأنما الله – عز وجل – يريد أن يستنفر فيهم قوى الإيمان ومضادات الإيمان ، فيخاطبهم بأن اتقوا الله فيما تقولون ، واتقوا الله فيما تفعلون وتتركون ، واتقوا الله في انتماءاتكم وعلاقاتكم ، واتقوا الله في كل شأن من شئون حياتكم .

وفي الآية عدة نقاط :-

التقوى فوق الإيمان

النقطة الأولى : معنى التقوى . وقد ذكرناه في أكثر من حديث ، فالتقوى هي : مخافة الله واتقاء غضبه ، وطاعته فيما يأمر وينهى .
النقطة الثانية : أن الآية تدل على أن التقوى درجة فوق الإيمان ومرتبة أعلى منه ، فقد خاطبهم ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ) حيث خاطبهم بصفة الإيمان ثم أمرهم بالتقوى ، وهذا الأمر فيه دلالة على أن التقوى مرتبة فوق الإيمان ، فإذا تحرك الإيمان في قلب الإنسان المؤمن وأثر على جوارحه ، وأثر في قوله وفعله ، وإذا تحرك الإيمان في قلب المؤمن وحرك المؤمن على أن يراقب نفسه ويحاسبها بمنطق الإيمان ومقاييسه ومعاييره ، فحمله ذلك على طاعة الله فيما يؤمر وينهى ، فقد اتقى .

يعني أمرين

النقطة الثالثة : دلالة الأمر بالتقوى . لا شك أن محبة الله وعشقه مرتبة فوق الخوف من الله وفوق التقوى ، فأن يحب المؤمن الله ويتأثر بحب الله هو أفضل من تأثره بالخوف من الله لأن رحمة الله سبقت غضبه ، ولكن حينما يخاطب الله – جل جلاله – عبده المؤمن ويؤمره بالتقوى فهذا يعني أمرين :-
الأمر الأول : يريد منه أن يمتثل للأمر الذي يأتي به التقوى .
الأمر الثاني : يريد أن يحذره من مخالفة هذا الأمر .
وسوف نسمي الامتثال للأمر بالمعنى الإيجابي ، وسنسمي التحذير من المخالفة بالمعنى السلبي ، وذلك في سياق الآية كلها ( اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) .

معاني الصدق

أولا : المعنى الإيجابي : ونقف أولا عند معنى الصدق في قوله ( كونوا مع الصادقين ) . الآيات الشريفة المباركة التي تناولت الصدق تدل على أن للصدق عدة معاني :
المعنى الأول : مطابقة الخبر للواقع ، فإذا أخبرت عن شيء يكون هذا الإخبار مطابقا للواقع ، فمثلا إذا سألك شخص بكم اشتريت هذا الثوب ؟ وقلت : اشتريته بعشرة دنانير ، فإذا اشتريته بعشرة دنانير فعلا فأنت صادق .
المعنى الثاني : الاعتقاد اليقيني الصحيح المستند إلى الأدلة البرهانية العقلية أو الرؤية العرفانية القلبية ، ومعنى كونك صادقا أنك تمتلك عقيدة يقينية صحيحة فإذا ملكت هذه العقيدة كنت صادقا .
لا تكن ظاهرة كلامية
المعنى الثالث : مطابقة العمل للاعتقاد ، بأن تكون أعمالك استجابة وترجمة لإيمانك ، فلا يصح بأن تعتقد بشيء وتخالفه ، فيكون عملك في معزل عن الإيمان ، بل يجب أن تكون جميع تصرفاتك نتيجة لأوليات اعتقاداتك لوجود علاقة وثيقة بينهما ، ويدخل في هذا المعنى أيضا مطابقة الأقوال للأفعال ، وقد ذكرنا هذا المعنى في حديث سابق ، فلا يجب أن يفعل الإنسان خلاف ما يقول كما هو حال المنافقين ، ولا يكون ظاهرة كلامية بحيث يتكلم كثيرا ويفعل قليلا ، وإنما ينبغي على الإنسان المؤمن أن يكون إجرائيا كثير العمل قليل الكلام .
لا تسقطه المغريات والضغوط
المعنى الرابع والأخير : أن يفعل ما يريد ، فإذا أراد أمرا ما فإنه يمتلك الإرادة والعزيمة على فعله ، فلا تسقطه المغريات ولا الضغوط ، وتحيل بينه وبين ما يريد ، وإذا أراد أمرا ما توجه له بعزم أكيد وبجد حتى يفعله .
هذه هي المعاني الأربعة التي نستفيدها من القرآن الكريم لمعنى الصدق .. إذن ما هو المراد بقوله تعالى : ( كونوا مع الصادقين ) . للصدق مراتب ، ونستطيع القول بأن للصدق مرتبتان أساسيتان :

مراتب الصادقين

المرتبة الأولى : وهي مرتبة المعصومين ، وهم الأنبياء والأوصياء ، والمعصومون درجات كما في القرآن الكريم بأن الله فضل بعضهم على بعض درجات ، ونفهم من ذلك أن الأنبياء لهم مراتب ودرجات في الصدق .
المرتبة الثانية : وهي مرتبة عموم المؤمنين ، والمؤمنون أيضا درجات في الصدق ، ولهذا نجد بأن المفسرين في تفسير قوله تعالى : ( وكونوا مع الصادقين ) لهم تفسيران :
كونوا مع محمد وأهل بيته
التفسير الأول : بمعنى كونوا في جماعة المؤمنين الصادقين مع الله ، ومع أنفسهم ، ومع الناس ، المؤمنين الصادقين في توجهاتهم ومواقفهم وأهدافهم وغيرها من مصاديق الصدق .
التفسير الثاني : بمعنى كونوا مع محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ، لأنهم هم الصادقين حقا ، وحقيقة الأمر على أن المراد بالصادقين هم بالفعل محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين ، ونستفيد في التدليل على هذا المعنى من نقطتين دون الدخول في التفاصيل :

عصمة من الخطأ والزلل

النقطة الأولى : أن الله تعالى قال : ( كونوا مع الصادقين ) ولم يقل كونوا من الصادقين ، فلو كان المراد أن الكون هو مجرد في جماعة المؤمنين المتصفين بصفات الصادقين لقال : كونوا منهم ، أي اتصفوا بصفاتهم ، ولكنه قال : ( وكونوا مع الصادقين ) ، ومعنى كلمة منهم مختلف عن معنى كلمة معهم ، لأن كلمة منهم تعني أن نكون منهم ، غير أن كلمة ( مع الصادقين ) تفيد الاتباع والاقتداء كما سيتضح بعد قليل .
النقطة الثانية : أن الأمر بالكون مع الصادقين أمر مطلق ، مما يعني اتباعهم والاقتداء بهم في كل شيء وهذا يدلل على عصمتهم ، إذ لا يصح أن نأمر باتباعهم والاقتداء بهم في كل شيء وهم غير معصومين ، كما أن الأمة إذا اتبعتهم فسوف تكون بهذا الاتباع معصومة من الخطأ الزلل ، إضافة إلى ذلك يوجد إطلاق في الصدق وإطلاق في الصادقين ، وهذا يدل على العصمة كما ذهب لذلك الفخر الرازي في تفسيره لهذه الآية ، وفي المحصلة النهائية كونوا مع محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين كما تشير له كلمة ( مع ) التي تعني المصاحبة والاقتداء والاتباع.
المعنى الجامع
إذا تأملنا كثيرا يمكننا الحصول على معنى مناسب للمعنيين ، فهذه الآية حينما تقول لنا : ( كونوا مع الصادقين ) فهي تبين لنا بأن هناك كيانا معنويا واحدا له مرتكزات أهمها أربع .
الركيزة الأولى : أن لهذا الكيان هوية وثقافة .
الركيزة الثانية : أن لهذا الكيان قيادات ورموزا ، وعلى رأس هذه القيادات والرموز محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين ، وامتدادهم الطبيعي في الناس وهم الفقهاء العدول .
الركيزة الثالثة : أن لهذا الكيان ثوابت ومبادئ وأهدافا .
الركيزة الرابعة : أن لهذا الكيان وسائل ومشاريع وبرامج .
والكون مع الصادقين يجعل من كل فرد فيه جزء منه بحيث يؤمن بهذه المرتكزات ويعمل في سبيل ترسيخها وتفعيلها على أرض الواقع . وبذلك نستطيع الجمع بين التفسيرين بأن نكون من جماعة المؤمنين الصادقين ونكون مع محمد وأهل بيته الطيبين الطاهرين ، هذا هو المعنى الإيجابي .

ثانيا : المعنى السلبي : وهو التحذير من المخالفة ، ونستطيع أن نرصد ثلاث مستويات من المخالفة :

الصدق أساس الانتماء

المستوى الأول : لا تكونوا من الكاذبين ، أي لا تنتموا إلى أيديولوجية أو عقيدة أو ثقافة أو مؤسسة تقوم على غير الحق والصدق ؛ بحيث يكون هذا الانتماء والدعم والترسيخ لهذه الأيديولوجية أو العقيدة أو الثقافة أو المؤسسة على حساب إيديولوجية وثقافة وعقيدة ومؤسسة الصدق ، لذا يجب عليكم أن تنتموا إلى أيديولوجية وعقيدة وثقافة ومؤسسة الصدق ، وهنا يجب أن ننتبه إلى أن المسألة لا تتعلق بالمؤسسات أو بالكيانات السياسية فقط ، وإنما الآية والتحذير الذي جاء فيها أشمل ، فالآية لا تقول لنا : لا تكن ماركسيا أو رأسماليا كصفة إيديولوجية ؛ وإنما المساحة تشمل الأدب والسياسة والاقتصاد ، فإذا أردت أن تنتمي إلى مدرسة في الأدب فيجب أن تكون هذه المدرسة قائمة على أساس الصدق ، ويجب أن تكون مستمدة من القرآن والسنة ، وإذا أردت أن تنتمي إلى مدرسة في الفن فيجب أن تكون هذه المدرسة قائمة على قاعدة الصدق ، ومثل ذلك في حال تقديم أي مشروع ثقافي أو اجتماعي أو اقتصادي فيجب أن يكون هذا المشروع قائما على أساس الصدق ، وعليه يجب أن ندقق في انتماءاتنا الفكرية والسياسية والاجتماعية وكل شأن من شئوننا .

لا يدققون كثيرا

في الواقع إذا تأملنا في واقعنا الثقافي وانتماءات شبابنا فيوجد خلل مروع ، فنحن نجد بأن الشباب لا يدققون كثيرا في انتماءاتهم الثقافية فيما يتعلق بالمدارس الأدبية ومدارس الفن ، ونجد بأن هناك أقوالا رهيبة لشبابنا بخصوص انتماءاتهم ومدارسهم الثقافية والإيديولوجية ، وهي بعيدة تماما عن رؤى الإسلام والقرآن ، والمطلوب منهم أن يدققوا في هذه الانتماءات ، وحينما يريدون الانتماء إلى مدرسة في الفن والأدب فعليهم أن يبحثوا عن أصول هذه المدرسة في القرآن والسنة ، كما أن علينا أن نؤسس مدارسا في الأدب والفن والاجتماع والاقتصاد مأخوذة من القرآن والسنة وأقوال المعصومين ، فلا يظن هؤلاء النخب أن انتماءهم الفكري سواء كان في الفن أو الأدب بعيد عن انتمائهم الإسلامي ، لأن معنى كونوا مع الصادقين أن نكون معهم في كل انتماءاتنا وعلاقاتنا وشئون حياتنا .

يتحمله العلماء وطلاب العلوم الدينية

هذا الواقع المروع يتحمل العلماء وطلاب العلوم الدينية مسئوليته ، فالعلماء وطلاب العلوم الدينية غائبون غيابا مروعا عن الساحة الثقافية ، وهناك خلل وفراغ مروع جدا في الشأن الثقافي ، وتشعر به من خلال منطق القرآن نفسه في هذه الآية ، وعليه فالصبغة الإيمانية والإسلامية في الساحة الثقافية مسئولية العلماء وطلاب العلوم الدينية والمثقفون الإسلاميون بالدرجة الأولى ، وهذا الغياب للعلماء وطلاب العلوم الدينية من الساحة الثقافية غياب غير مبرر ، وعلى العلماء وطلاب العلوم الدينية والمثقفين الإسلاميين أن يتحملوا مسئوليتهم في النهوض بالمشروع الثقافي الإسلامي فيفعلوا هذا الانتماء للصادقين استجابة لنداء الآية (وكونوا مع الصادقين).

قد يدعي البعض

المستوى الثاني : التحذير من الذين تخالف أفعالهم عقائدهم ، أو الذين تخالف أفعالهم أقوالهم ، وينبغي أن تلتفتوا إلى أنني أقصد جميع مجالات الحياة سواء كان ذلك في السياسية أو الاقتصاد أو الاجتماع .. إلخ ، فقد يدعي البعض الإيمان في مجال معين ولكن أفعاله لا تنطبق مع أقواله وعقيدته كما في قوله تعالى : ( ومن الناس من يقول : آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين * يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون * في قلوبهم مرض فزادهم الله مرضا ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون * ) فهؤلاء يقولون بأنهم مؤمنين ويحكمون بغير أحكام الإسلام ، أو يكونوا محايدين مع الفساد والظلم وغيره ، وهنا تحذير من الكون في صف من تخالف أفعاله عقيدته وأقواله بأن لا تكونوا مع من تخالف أفعاله عقيدته وأقواله كما في قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون ) ، فهؤلاء الذين تمثل حياتهم ( ظاهرة كلامية ) بعيدا الأفعال لا تكونوا معهم ، فهم يقولون الكثير ويفعلون القليل ، ويحولون الفشل إلى نجاح ، وينفخون في المشاريع الصغيرة ويحولونها إلى كبيرة وعملاقة كما يقول المثل ( يجعل من الحبة قبة ) ، وهو ما نراه بالتحديد في الإعلام العربي ، فإذا نظرت إلى ما يشيعه الإعلام العربي تقول : بأن العرب سيسطرون على العالم كله أو أنهم قد سيطروا عليه فعلا ، وإذا جئت للواقع ترى الفقر والمرض والجهل والتخلف والهيمنة الأجنبية فهو واقع مؤلم جدا ، وهناك تحذير من الانتماء لهؤلاء المسئولين عن صناعة هذا الواقع والكون معهم .

لن يحققوا طموحاتكم

المستوى الثالث : الكون مع الضعفاء الذين تحيل المغريات والضغوط بينهم وبين ما يريدون ، فقد يريد هؤلاء شيئا ولكنهم يسقطوا أمام المغريات والضغوط ، وهؤلاء ضعفاء ، فلا تكونوا معهم لأنهم لن يحققوا طموحاتكم ومطالبكم ، ولأن الأمور التي تطمحون فيها كمؤمنين .. هؤلاء غير قادرين على تحقيقها ، وفي ذلك تحذير الكون معهم .

من التقوى والإيمان

الخلاصة : أن الآية القرآنية تريد أن تقول لنا : بأن الكون مع الصادقين هو من التقوى والإيمان ، كما أنها تريد أن تقول أيضا : بأن السير إلى الله بما يعنيه ذلك السير من تقدم حتى في شئون الحياة تقف في وجهه عقبات ، وفي هذا السير منحيات وتعرجات وعبر ما تشاء عن الصعاب التي تواجهها في هذا السير ، وأنك لن تستطيع أن تقطع هذا الطريق وتصل إلى بر الأمان إلا إذا كنت مع الصادقين ، وتغلبك على العقبات وتخلصك من منعرجات الطريق وانحناءاته يكون بالكون معهم.

بعد هذه الوقفة مع الآية الشريفة ، نأتي إلى بعض القضايا المثارة على الساحة المحلية ، وأتناول منها قضيتين :

أول الأوليات

القضية الأولى : وتتعلق بالقيادة ، موضوع القيادة يعد أول أولويات أي أمة أو جماعة ، وأي أمة أو جماعة أول ما تفكر وتعتني بأمر القيادة ، وأعظم خطر على أي أمة أو جماعة هو الفراغ القيادي سواء كان هذا الفراغ بسبب عدم وجود القيادة أو بسبب سوء الأداء وعدم الفاعلية ، فإذا وجد فراغ قيادي في أمة من الأمم أو جماعة من الجماعات فلا يجوز لهذه الأمة أو الجماعة أن تفكر في مصالح أو مكاسب أو تقدم أو مشاركة ؛ فهي أمور متأخرة ، فالأمة التي تعاني من فراغ قيادي يجب أن تضع يدها على قلبها حول مستقبل كيانها وتماسك صفوفها ونجاحها في تحقيق أهدافها ، لأن الأمة التي تعاني من فراغ قيادي صفوفها مهددة بالتفكك حيث لا يمكن لجماعة أن تحافظ على وحدة صفوفها دون قيادة ، كما لا تستطيع أمة تعاني من فراغ قيادي أن تنجح في تحقيق أهدافها ومصيرها الفشل في ذلك ، والأمة التي تعاني من فراغ قيادي فمستقبلها الضياع ، وهناك خطران يقفان أمام تشكيل القيادة وصياغتها ، سواء كانت تلك القيادة فردية أو جماعية :
الخطر الأول : هو الأنانية ، والتشبث بالمصالح الشخصية .
الخطر الثاني : هو المجاملة ، ومراعاة الأشخاص على حساب المصلحة العامة .

لا تجامل أحدا

إذا وجد فراغ قيادي فعلى الأمة أن تضع يدها على قلبها وأن تفكر بواقعية وموضوعية في ملء هذا الفراغ ، ولا تجامل أحدا في ذلك ، لأن الأمر يتعلق بمستقبلها وكيانها ووحدة صفوفها وبنجاحها أو فشلها في تحقيق أهدافها ، وحينما نتكلم عن القيادة فهذا يعني عدة نقاط :

صفات القائد

النقطة الأولى : أن تكون للقائد سيرة حسنة معروفة ، وأن يكون القائد مخلصا لله وللأمة فيتسامى فوق ذاته ومصالحه الشخصية .
النقطة الثانية : أن تكون للقائد أهلية واقتدار على إنجاز المهام ، ومواجهة التحديات المطروحة .
النقطة الثالثة : أن يكون للقائد استقطاب والتفاف جماهيري واع يقوم على المعرفة بالخطاب السياسي والمواقف السياسية للقائد ، والمعرفة بمبادئه وأهدافه وأطروحاته وغاياته ، والمعرفة الدقيقة بشخصيته أيضا ، وبذلك يكون ذلك الالتفاف التفافا واعيا وليس التفافا أعمى .
النقطة الرابعة : السير المحكم نحو تحقيق الأهداف المشتركة ، مما يعني أن يكون هناك حسن أداء في القيادة وإدارة محكمة للساحة بحيث تحفظ المكاسب والمصالح ، وتسعى بقوة لتحقيق الأهداف ، وهذا يتطلب أمرين أساسيين :

تعاطف وتواصل مطلوب

الأمر الأول : التواصل والتعاطف بين القيادة والقاعدة ، وهو في حد ذاته يتطلب حضور القائد بين الجمهور والقاعدة ، فلا يجوز في عمل القيادة أن يكون القائد في برج عاجي أو محشورا في زاوية ضيقة بعيدا عنهم ، كما يجب عليه أن يعرف ويعايش ويتفاعل إيجابيا مع همومهم وقضاياهم ومعاناتهم ، ويجب عليه أيضا أن يجيب على تساؤلات الجمهور ، فليس من المعقول أن يثير الجمهور تساؤلات شتى والقيادة لا تجيب عن تساؤلاتهم ، وإلا فكيف لها أن تكون قيادة توجه وترشد وهي لا تفعل ذلك ، مع التأكيد على أن فكر القيادة مهما كان فكرا إبداعيا لا قيمة له إلا إذا لم يتحول إلى توجهات جماهيرية وفعل جماهيري ، فإذا كان فكر القيادة فكرا متميزا وهو موجود في ذهن القيادة أو أعداد قليلة فلا قيمة عملية له ما لم يتحول إلى فعل جماهيري وتوجهات جماهيرية وبالخصوص في العصر .. هذا العصر هو عصر الجماهير ، فالذي يحسم الأمور هو الجمهور ، والاختراق يصل إلى كل فرد منهم وكذلك التحديات ، فإذا لم يكن هناك تواصلا محكما بين القيادة والجمهور فسوف تضيع القيادة ويضيع الجمهور .

من المؤلم جدا

نحن الآن في الساحة المحلية نعاني من هذا الفراغ ، وأقول : بأنه من المؤلم جدا أنني حضرت لأكثر من مجلس للنخب ، والشيء العجيب في ذلك أن أسئلة النخب أسئلة عادية وبسيطة ، وذلك لأن ابتعاد القيادة عن الجمهور أدى إلى عدم معرفة حتى النخب بالإجابة على هذه الأسئلة البسيطة ، ولكن لو كانت القيادة متصلة بالجمهور لكانت أراء القيادة معروفة للجمهور فضلا عن النخبة ، مما يؤدي إلى إبداع الجمهور والنخب في الأسئلة وتقدمهم للأمام ، فمن أين للجماعة بأن تتقدم إذا كانت الأسئلة البسيطة لا تستطيع النخبة الإجابة عليها وتجيب بإجابات سطحية وبسيطة .. هذا شيء رهيب ومخيف ويجب إصلاح الوضع برمته !!! .

لا يوجد تحكم أي لا توجد قيادة

الأمر الثاني : التحكم في المواقف من خلال إصدار القرارات والأوامر ، حيث لا توجد قيمة للقيادة إذا لم تتحكم القيادة في مواقف الأمة من خلال القرارات ، ويجب على القيادة أن تصدر قراراتها وتوجيهاتها وإرشاداتها في القضايا العامة ، ومن خلال هذه التوجيهات والقرارات تتحكم في المواقف وتكون قيادة بحق لأن القيادة هي التحكم ، فإذا لم توجد قرارات ولم توجد إرشادات وتوجيهات مباشرة فمعنى ذلك أنه لا يوجد هناك تحكم أي لا توجد قيادة .

لا تخاف من الخطأ والفشل

كما ينبغي على القيادة أن تبادر ولا تنتظر ، وعليها أن تخلق المشاريع وتوجدها على الأرض ، لا أن تنتظر وجود المشاريع ثم تباركها ، وعلى القيادة ألا تخاف من الفشل والأخطاء لأنها إذا خافت من الفشل والأخطاء فلن تتقدم ، وعليه فينبغي عليها إيجاد المشاريع وإن فشل المشروع أو وقع في الخطأ لكنه سوف يتقدم ، وبذلك توجد حالة التحكم وتتقدم المسيرة للأمام.

الحقوق ترتبط بكرامة الإنسان

القضية الثانية : وتتعلق بالمطالبة بالحقوق ، وفي ذلك يقول علي بن أبي طالب (ع) : ( لنا حقوق ، فإن أعطيناها وإلا ركبنا أعقاب الإبل ) أي ظهورها ، ولهذا الحديث تفسيران :
التفسير الأول : وهو للشريف الرضي ، حيث يشير إلى أن ركوب أعقاب الإبل فيه كناية عن الذل ، بمعنى أن هذه الحقوق ترتبط بكرامة وعزة الإنسان ، فإذا لم يحصل عليها عاش الذل والمهانة.

ركوب الصعاب

التفسير الثاني : وهو للشيخ محمد عبده ، وفيه يقول بأن ركوب أعقاب الإبل كناية عن ركوب الصعاب ، أي لنا حقوق فإن أعطينها وإلا ركبنا الصعاب من أجل الحصول عليها لأن في ذلك عزتنا وكرامتنا والبديل عنها الذل والهوان ، وكما علمنا الحسين نقول : ( هيهات منا الذلة ) ، وفي القرآن الكريم : ( ولولا دفع الله الناس بعضها ببعض لفسدت الأرض ) وأحد مصاديق هذه الآية هو المطالبة بالحقوق ، فإذا لم تكن هناك مطالبة بالحقوق فالنتيجة هي الفساد في الأرض ، وصلاح أمر الناس نتيجة المدافعة المذكورة في الآية السابقة ، وأحد أشكال المدافعة المطالبة بالحقوق .

فرق كبير

هناك فرق كبير بين الحقوق الخاصة والحقوق العامة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.