محاضرات وندوات عام 2008

من حقيقة الذكر الحكيم ومقاصده

الموضوع : كلمة للأستاذ عبد الوهاب حسين .
المناسبة : افتتاح مسابقة الذكر الحكيم التاسعة .
الجهة المنظمة : جمعية الذكر الحكيم .
العنوان : من حقيقة الذكر الحكيم ومقاصده .
المكان : قرية السنابس ـ مأتم السنابس الكبير .
اليوم : مساء الخميس ـ ليلة الجمعة .
التاريخ : 18 / ربيع الثاني / 1429هج .
الموافق : 24 / أبريل ـ نيسان / 2008م .

أعوذ بالله السميع العليم ، من شر نفسي الأمارة بالسوء ، ومن شر الشيطان الرجيم .
بسم الله الرحمن الرحيم .
الحمد لله رب العالمين .
اللهم صل على محمد وآل محمد ، وارحمنا بمحمد وآل محمد ، واهدي قلوبنا بمحمد وآل محمد ، وعرف بيننا وبين محمد وآل محمد ، واجمع بيننا وبين محمد وآل محمد ، ولا تفرق بيننا وبين محمد وآل محمد في الدنيا والآخرة طرفة عين أبدا يا كريم .
اللهم معهم .. معهم لا مع أعدائهم .

السلام عليكم أيها الأحبة : أيها الأخوة والأخوات في الله ورحمة الله تعالى وبركاته .

في البداية : أهنيء المتنافسين في هذه المسابقة القرآنية المباركة لحفظهم القرآن الكريم وحسن تلاوتهم له ، وأسأل الله جل جلاله لهم التوفيق للعمل به في حياتهم والسعي لتطبيقه في جميع مجالات الحياة . وأشكر القائمين على جمعية الذكر الحكيم على إنشائهم لهذه الجمعية المباركة ولنجاحهم في تطوير عملها وتوسيع أنشطتها ، وأسأل الله جل جلاله لهم التوفيق والتسديد والمزيد من النجاح والانتفاع بعملهم الطيب هذا في الدنيا والآخرة . وأدعو كافة إخواني المؤمنين لتقديم الدعم اللازم : المادي والمعنوي لأنشطة الجمعية ومسابقاتها ، وأسأل الله جل جلاله أن يحسن لهم الأجر والمثوبة .

قال الله تعالى : { هَـذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ } ( آل عمران : 138 ) .

{ هَـذَا } : أسم إشارة ، قيل : المراد به في الآية الشريفة المباركة مضامين الآيات السابقة عليها ، وقيل المراد به : القرآن الكريم .. والحديث مبني على القول الثاني .

والخطاب في الآية الشريفة المباركة على قسمين :
القسم ( 1 ) للناس عامة : قول الله تعالى : { بَيَانٌ لِّلنَّاسِ } أي لكل الناس ، وبيان : بمعنى أن القرآن الكريم هو دلالة ظاهرة يوضح للناس الحق من الباطل ، والعدل من الظلم ، والخير من الشر ، والفضيلة من الرذيلة ، والسعادة من الشقاء ، ويوضح أهل السعادة وأهل الشقاء . ويوضح للناس ما ينبغي أن يكونوا عليه في الفكر والأخلاق والسلوك والمواقف ، وكل ما يحتاجه الإنسان في طريق صلاحه ، ويلبي له كل حاجات العقل والروح ومطالب الحياة من الرؤية والتشريع . ويوضح للناس نتائج عملهم وثمارها الطيبة والخبيثة في الحياة الدنيا والآخرة ، ويزيل عنهم بشكل شاف كل لبس أو شبهة ، ويقيم عليهم الحجة التامة . فالقرآن الكريم إنما أنزل نورا { وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا } ليحل للإنسان كافة قضاياه ، ليملك الرؤية الواضحة الشاملة التي تفتح له أبواب الحق والعدل والخير والفضيلة ، وتساعده على السير في الخط المستقيم وتحقيق غاية وجوده في الحياة { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ } ليفلح المؤمنون الذين استفادوا من البيان القرآني ونوره في الحياة الدنيا بالأمن والاستقرار والطمأنينة والتقدم والازدهار ، ويفوزوا في الآخرة بالحياة الطيبة والسعادة الأبدية الخالدة والنعيم المقيم { لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى } ( النجم : 31 ) .
فالقرآن الكريم : بيان إلاهي ونور عظيم ، ليس بعده عذر لمعتذر أو حجة لمنكر أو جاحد { لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ } ( الأنفال : 42 ) .
وهذا لا شك فيه مظهر من مظاهر رحمة الله الواسعة بعباده ولطفه بهم وفضله عليهم .
قال الله تعالى : { تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ . هُدًى وَرَحْمَةً لِّلْمُحْسِنِينَ } ( 2 ـ 3 ) .

وقد وصف الله عز وجل القرآن الكريم بعبارات أخرى ، مثل : البصائر والنور والفرقان وغيرها ، وكلها عبارات تخدم حقيقة البيان القرآني .
قال الله تعالى : { هَـذَا بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ } ( الأعراف : 203 ) .
وقال الله تعالى : { هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّقَوْمِ يُوقِنُونَ } ( الجاثية : 20 ) .
وقال الله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا } ( النساء : 174 ) .
وقال الله تعالى : { تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا } ( الفرقان : 1 ) .

ونتوصل مما سبق إلى النتائج المهمة التالية :
النتيجة ( 1 ) : أن موقف الناس من القرآن الكريم هو الذي يحدد واقعهم في هذه الدنيا ومصيرهم في الآخرة ، فالواجب عليهم الانتفاع به والاستفادة من نوره بالالتفات إليه والعناية به والتدبر في آياته .
النتيجة ( 2 ) : مطالبة المكذبين بالتعقل والنظر والتأمل في الآيات الكونية والأنفسية وآيات الكتاب ، وفي عواقب المكذبين من قبلهم وآثار هلاكهم .

القسم ( 2 ) للمتقين خاصة : قول الله تعالى : { وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ } أي المتقين الذين يخافون مقام ربهم ولا يخشون أحدا سواه .

والهدى هو الحق الواجب الأتباع ، وهو هدى الله عز وجل الذي لا هدى غيره { قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى } وهو الدين الصحيح والصراط المستقيم والإسلام الحنيف ، وما عداه هو الضلال الواجب تركه والإقلاع عنه { فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ } فالقرآن دعوة إلى طريق الحق والخير والعدل والرشاد والاستقامة في الدين في مقابل الغي والضلال والشر والظلم والانحراف عن الدين الصحيح والصراط المستقيم على مستوى الفكر والأخلاق والسلوك والمواقف .
قال الله تعالى : { إِنَّ هَـذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا } ( الإسراء : 9 ) .

وقد نبه القرآن الكريم إلى النتائج الخطيرة للإعراض عن الهدي ، منها :
النتيجة ( 1 ) : أن من يترك هدى الله عز وجل يتركه الله لشأنه وما اختاره لنفسه من الضلال وهو الخذلان .
قال الله تعالى : { وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا } ( النساء : 115 ) .
وقال الله تعالى : { وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ نَصِيرٍ } ( البقرة : 120 ) .

النتيجة ( 2 ) : العيش الضنك في الحياة الدنيا لمن يعرض عن هدى الله جل جلاله ، والشقاء والعذاب العظيم في الآخرة ، في مقابل : طيب العيش في الحياة الدنيا والسعادة الأبدية في الآخرة لمن يتبع الهدى .
قال الله تعالى : { قُلْنَا اهْبِطُواْ مِنْهَا جَمِيعاً فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ . وَالَّذِينَ كَفَرواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُولَـئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } ( البقرة : 38 ـ 39 ) .
وقال الله تعالى : { قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى . وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى . قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا . قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى } ( طه : 123 ت 126 ) .
النتيجة ( 3 ) : من يعرض عن الهدى يقيض الله عز وجل له شيطانا يصاحبه ويزين له الشر ويصده عن سواء السبيل .
قال الله تعالى : { وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ } ( الزخرف : 36 ) .
والموعظة : هي الكلام الذي يليّن القلوب ويفتح المشاعر والأحاسيس الطيبة على الحق والعدل والخير والفضيلة والطريق السوي في الحياة ويدعو إليها وإلى كل ما هو جميل في الحياة ، ويزجر عن الباطل والظلم والشر والرذيلة وعن طريق الغي والهلاك وعن كل ما هو قبيح في الفكر والأخلاق والسلوك والمواقف .. وباختصار شديد : الترغيب في الحسنة بدلا من السيئة .

وتخصيص المتقين في أمر الهداية والموعظة ، ذلك : لأنهم المنتفعون به والمستفيدون عمليا من نوره العظيم وهديه الرشيد ، حيث أنهم يبحثون عن كل ما يعمق روح التقوى والإيمان لديهم ، ويزيد بصيرتهم في الحق ، ويرسخ أقدامهم في العدل والخير والفضيلة والصراط المستقيم في الحياة .

يقول العلامة السيد قطب ( رحمه الله ) : ” إن الكلمة الهادية لا يستشرفها إلا القلب المؤمن المفتوح للهدى ، والعظة البالغة لا ينتفع بها إلا القلب التقي الذي يخفق لها ويتحرك بها .. والناس قلما ينقصهم العلم بالحق والباطل ، وبالهدى والضلال .. إن الحق بطبيعته من الوضوح والظهور بحيث لا يحتاج إلى بيان طويل . إنما تنقص الناس الرغبة في الحق ، والقدرة على اختيار طريقه .. والرغبة في الحق والقدرة على اختيار طريقه لا ينشئهما إلا الإيمان ، ولا يحفظهما إلا التقوى ” ( الظلال . ج1 . ص480 ) .

والنتيجة : أن العبرة ليست في العلم والمعرفة ، وإنما في الإتباع واحتمال مشقات الطريق .. وقد كشفت لنا التجارب وعلمتنا : بأن الكثير ممن يعرفون الحق يخالفونه عن قصد وسبق إصرار { وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا } بسبب الخضوع للشهوة أو الخوف من الأذى أو الخضوع للموروث الاجتماعي وعدم القدرة على الخروج من أسره ، كما قال فرعون لموسى ( عليه السلام ) : { فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى } وهذا من أسباب هلاكهم في الدنيا والآخرة { فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ } .

التدبر في القرآن الكريم : للإنسان هدف سامي عظيم يجب أن يصل إليه في سيرة حياته بفكره النير وجهوده المضنية وأعماله الصالحة ، ولا يمكن الوصول إلى هدفه السامي في الحياة إلا بأتباع القوانين والآداب الخاصة التي حددها الهدي القرآني العظيم . والوصول لهدي القرآن الكريم وأسراره والاستفادة الفعلية منه ، يتطلب استنطاقه من خلال التفكر والتأمل والتدبر في آياته ، وتحويل مضامينها إلى سلوك ومواقف عملية صادقة في الحياة ، تقوم على أساس الصدق والموضوعية والانفتاح وسعة الصدر وانشراحه { فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ } وعلى أساس العلاقة الصادقة والحميمة مع الله ذي الجلال والإكرام القائمة على المحبة له والمخافة منه ، بهدف القرب منه وكسب رضاه ، وعلى إدراك المكانة العالية والمنزلة الرفيعة للقرآن الكريم الذي لا يمسه إلا المطهرون { إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ . فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ . لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ . تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ } بحيث نجعل النص القرآني يتحدث بنفسه ، ونسعى لفهمه بصدق وموضوعية تامة ، استنادا إلى قواعد اللغة والحجة والبرهان ، وعدم التأثر بالهوى والتعصب والانحياز والتطرف والأحكام المسبقة ، فهذه العوامل السلبية كلها تقف حاجزا يمنع الإنسان من التلقي الصحيح والراشد للرسالة القرآنية العظيمة على مستوى الفهم والتطبيق ، والتغلب عليها يتطلب تربية النفس على الصدق والمحبة لله عز وجل ومخافته .
قال الله تعالى : { يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ } ( ص : 26 ) .

تنبيه مهم : ينبغي الحذر من المنهج التبريري وتحكيم الهوى والتعصب والمواقف المسبقة في فهم القرآن الكريم والسنة الشريفة ، فيكون ذلك سببا لضلالنا وهلكنا في الدنيا والآخرة .
وقد جاء في الحديث : ” على كل حق حقيقة ، وعلى كل صواب نور ” فلكل حق برهان يؤكد معنى الحقيقة فيه ، ولكل صواب في السلوك والمواقف نور وحجة تؤكد معنى الصوابية في داخله . وهذا هو المنهج الصحيح الذي ينبغي علينا أن نتبعه ، من أجل معرفة الحق في الأطروحات والصواب في السلوك والمواقف ، بدلا من المنهج التبريري المضل الذي يجعل من الأشخاص والطوائف والأحزاب معيارا للحق والصواب .

والخلاصة : أن التدبر في القرآن الكريم يعني السعي الصادق للفهم الصحيح كمقدمة للسلوك المستقيم على نهجه الواضح والتطبيق الدقيق لرؤيته وتشريعاته ، ليكون سببا لتغير أنفسنا وتكامل أروحنا وتقدمنا وازدهارنا وتطوير أوضاعنا في جميع مجالات الحياة .

وقد جاء في الحديث : ” إن الله ليرفع بهذا الكتاب أقواما ويضع به آخرين ” فالتلاوة والفهم الصحيح والتطبيق المستقيم للقرآن الكريم يمثل سببا للقوة والبناء والرفعة والمجد والحياة الطيبة والسعادة الأبدية الخالدة ، والابتعاد عنه يمثل سببا للضعف والتخبط والانهزام والضعة والذلة . فإذا أردنا لأنفسنا الرفعة والعزة والمجد على المستوى الفردي والمجتمعي ، فعلينا أن نقوي علاقتنا بالقرآن الكريم وإعادة تنظيمها وفق المنهج القرآني نفسه ، بحيث تنعكس علينا إيجابيا في البناء الحضاري السليم لأنفسنا ولمجتمعاتنا .

حفظ القرآن وحمله : مما يؤسف له أن البعض أنصرف عن التدبر والعمل بالقرآن الكريم إلى الحفظ وحسن التلاوة ، وهذا بخلاف القصد من التنزيل .. فحقيقة القرآن الكريم : هي نور العلم الذي ينير قلوب المؤمنين وعشاق الحقيقة ، وقيمته في العمل به وتطبيقه في السلوك والمواقف على كافة الأصعدة والمستويات ، والحفظ وحسن التلاوة ليسا هدفا في ذاتهما ، وإنما هما مقدمة للفهم والتطبيق .. وقد دلت التجارب : أن البعض يهتدي إلى النور القرآني في الفهم والعمل والتطبيق من خلال القراءة أو الاستماع إلى العدد اليسير من الآيات الشريفة المباركة ، بينما نجد أشخاصا قد أدمنوا قراءة القرآن وأجادوا تلاوته وحفظوه كاملا عن ظهر قلب ، ولكنهم لا نصيب لهم من نور القرآن الكريم ، فهم ابعد ما يكونوا عن علومه وفهم حقيقة معانيه والالتزام بآدابه وأخلاقه والعمل المستقيم به والسعي الصحيح إلى تطبيقه الدقيق .
قال الله تعالى : { مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } ( الجمعة : 5 ) .

والخلاصة : نحن مطالبون نحو القرآن الكريم بالتالي :
1 ـ التلاوة الصحيحة .
2 ـ الفهم السليم .
3 ـ العمل المستقيم به والسعي للتطبيق الدقيق له على كافة الأصعدة والمستويات .

أيها الأحبة الأعزاء ،،
أكتفي بهذا المقدار ،،
واستغفر الله الكريم الرحيم لي ولكم ،،
ونسأله العافية وحسن العاقبة ،،
واعتذر لكم عن كل خطأ أو تقصير ،،
واستودعكم الله الحافظ القادر من كل سوء ،،
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

شاهد أيضاً

إغلاق