محاضرات وندوات عام 2003

كلمة الأستاذ في حفل تأبين االشهيدين نوح خليل وسعيد الإسكافي

كلمة الأستاذ في حفل تأبين االشهيدين نوح خليل وسعيد الإسكافي

الموضوع :كلمة الأستاذ عبد الوهاب حسين
( في الحفل ألتأبيني للشهيدين السعيدين: نوح خليل وسعيد الإسكافي ).
المكان : قرية النعيم – في مصلى العيد .
الزمان : مساء الأربعاء – ليلة الخميس .
التاريخ : 23 /جمادى الأولى/ 1424 هـ – الموافق: 23/ يوليو/ 2003م.

أعوذ بالله السميع العليم
من شر نفسي الأمارة بالسوء، ومن شر الشيطان الغوي الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين

اللهم صل على محمد وآل محمد، وارحمنا بمحمد وآل محمد، واهدي قلوبنا بمحمد وآل محمد، وعرف بيننا وبين محمد وآل محمد، واجمع بيننا وبين محمد وآل محمد، ولا تفرق بيننا وبين محمد وآل محمد في الدنيا والآخرة طرفة عين أبداً. اللهم معهم.. معهم لا مع أعدائهم. السلام على شهداء الانتفاضة السعداء المظلومين، السلام عليكم أيها الأحبة: أيها الأخوة والأخوات في الله ورحمة الله تعالى وبركاته.

أيها الأحبة الأعزاء: الشهداء منارات عز، وأعمدة قوة في المسيرة الإسلامية والوطنية، وأوتاد راسخة في الفكر والشعور، تمسك المسيرة الإسلامية والوطنية من التراجع والاهتزاز. إنني كلما وقفت في تأبين شهيد، أو وقفت على ذكرى شهيد، أو وقفت على قبر شهيد، أشعر بأني قزم صغير أمام عمالقة الشهادة العظام، وأشعر بالحرج الشديد، خوفاً من التعاطي الكلامي مع هذه القضايا الإنسانية الزاخرة بالقيم الإنسانية الرفيعة، فضلاً عن الخوف من الاستغلال السيئ لهذه القضايا الإنسانية لأغراض دنيوية دنيئة.

أيها الأحبة الأعزاء: إن الثقافة التي ليس فيها ثقافة الشهادة، هي ثقافة سطحية. وإن المسيرة التي ليس فيها شهداء، هي مسير المهام السطحية الصغيرة، ولا يمكن أن تكون مسيرة للمهام الضخمة الكبيرة، والمهام الجوهرية المصيرية. وإن الفرد الذي لا ينفتح على ثقافة الشهادة، هو فرد قصير النظر، ضعيف الإرادة لا محالة.

أيها الأحبة الأعزاء: ونحن حاضرون في هذا الحفل ألتأبيني لاثنين من شهداء الانتفاضة السعداء المظلومين، يحق لنا أن نسأل أنفسنا عن أوضاعنا الوطنية ونتأمل فيها ونقيمها لنعرف مكاننا والطريق الذي ينبغي علينا أن نسلكه فيها. إذا تأملنا إلغاء الدستور التعاقدي، وتجاوز ميثاق العمل الوطني الذي صوت عليه الشعب بنسبة ( 98.4% ) ثم فرض (وثيقة: 14 / فبراير ) كبديل عن الدستور التعاقدي، وإيجاد مؤسسة برلمانية تستند إلى تلك الوثيقة، ترتهن فيها إرادة الشعب لصالح السلطة التنفيذية، وتضع تلك الوثيقة في يد السلطة التنفيذية أدوات تستطيع من خلالها أن تحرق المعارضة في تلك المؤسسة المحرقة. وإذا تأملنا في التجنيس السياسي الذي يمثل في تقديري، أخطر عملية عبث بالمصير الوطني، ومن شأنها أن تفرغ المطالب الوطنية للمعارضة من محتواها الحقيقي، من خلال الإخلال بموازين القوى في الساحة الوطنية لصالح القوى المحافظة، وقد أوضحت ذلك بالتفصيل في الإجابة على أسئلة ملتقى البحرين، فليرجع إليها من يريد المزيد من الوضوح في هذه المسألة. وإذا تأملنا في التمييز الطائفي الذي يمارس على أوسع نطاق وبصورة شاملة ضد طائفة من أبناء الشعب. وإذا تأملنا في الطريقة التي يتم بها تملك الأراضي وتوزيعها، والطريقة التي يتم بها تملك الثروة وتوزيعها.

أيها الأحبة الأعزاء: إذا تأملنا كل تلك الأوضاع بدقة، وسألنا أنفسنا بموضوعية ونزاهة: هل نحن أمام مملكة ديمقراطية دستورية، أم أمام مملكة إقطاعية، وهي المملكة التي يتصرف الملك فيها بصورة مطلقة في الأرض ومن عليها، ويكون العاملون على الأرض أو المواطنون أشبه ما يكونون بالعبيد ؟؟
الجواب: إن الأوضاع التي ذكرتها، تجعلنا في الحقيقة أقرب ما نكون إلى المملكة الإقطاعية منها إلى المملكة الديمقراطية الدستورية، وأن تلك الأوضاع تجعل بيننا وبين المملكة الديمقراطية الدستورية مساحة شاسعة، وتجعل بيننا وبين دولة المؤسسات والقانون خطاً طويلاً.. طويلاً.

أيها الأحبة الأعزاء: إن هذه الحقيقة المؤلمة، تجعل مطالب الشعب ليست مجرد مطالب سياسية، وإنما هي مطالب ترتبط مباشرة بكينونتنا الإنسانية.
إن الشعب يرفض بكل تأكيد أن يكون أشبه بالعبيد، ويصر على إيجاد دولة المؤسسات والقانون، الدولة التي تستمد فيها المؤسسات وكافة العاملين فيها، شرعية وجودهم، وشرعية أدوارهم، من إرادة الشعب، حسب ما تقتضي ذلك الحقيقة الإنسانية العظيمة في العلاقة بين الحاكم والمحكوم. إن مؤسسة الحكم مطالبة بأن تتجاوز عقليات الماضي، وأن تتصرف حسب متطلبات الوقت الحاضر.

وبقية مسألة أخرى أرغب في الحديث عنها في هذه المناسبة العظيمة: في هذه المسألة أأكد على ما ذكره فضيلة الشيخ أبو مجتبى في آخر حديثه قبل قليل، وهو التركيز على البعد الديني في مسألة الشهادة، وأنا أوضح هذه المسألة من باب الصدق مع الله جل جلاله، والصدق مع الناس في مسألة هي من أهم المسائل وأقدسها وأكثرها جدية في حياة الإنسان، وهي مسألة الشهادة. إن مسألة الشهادة لا تقبل المجاملة فيها. فما قيمة أن نخلد ذكر إنسان في الوقت الذي يكون فيه فاقداً للشعور، فضلاً عن أن يكون معذباً أو غير مرضي عنه عند الله جل جلاله ؟
إذا افترضنا جدلاً عدم وجود الله واليوم الآخر، وسألنا أنفسنا بموضوعية وتجرد: هل يمكن أن تتولد من النظرة المادية للحياة، قيم معنوية رفيعة مثل الشهادة والتضحية، بصورة منطقية صحيحة ؟
أقول بصورة قاطعة وبكل تأكيد: بأن النظرة المادية للحياة ليس في وسعها أن تولد قيم معنوية رفيعة مثل الشهادة والتضحية بصورة منطقية، وإذا وجدنا إنساناً يحمل النظرة المادية للحياة، ولديه في نفس الوقت ميل واندفاع إلى الشهادة والتضحية، فإن ذلك الميل والاندفاع ليس وليد النظرة المادية للحياة، وإنما هو وليد البقية الباقية لديه من الفطرة الإنسانية التي فطر الله الناس عليها. أن النظرة المادية للحياة لا تترتب عليها إلا الممارسات الجافة الجلفة في الحياة.
أيها الأحبة الأعزاء: كل شعوب العالم تحتفي بالشهداء، لما يمثله الشهيد من خلق رفيع لا يضاهيه شيء، حيث أنه يضحي بنفسه من أجل راحة وسعادة أبناء مجتمعه. إلا أنني أدعوكم – أيها الأحبة الأعزاء: أدعوكم إلى ربط عملكم في المسائل الوطنية وكل مسائل الحياة، لا سيما الشهادة لأهميتها الفائقة، ربط كل تلك المسائل بالبعد الديني، حتى تكونوا مستحقين للثواب الأخروي عند الله جل جلاله. وأحذركم من الصوفية الحسية غير المنطقية، التي ترى إمكانية أن تتولد قيم عالية رفيعة مثل الشهادة والتضحية من النظرة المادية للحياة بصورة منطقية. إن النظرة المادية للحياة لا تترتب عليها إلا الممارسات المادية الجلفة أي الجافة في الحياة، وهي الحالة التي ترفضها الفطرة الإنسانية السليمة، ولا يمكن أن تستقيم في ظلها الحياة وتتطور !!
وفي الختام: أدعو كل الشرفاء في العالم، لا سيما أولئك الذين يجدون في أنفسهم إندفاعة إلى الشهادة والتضحية من أجل راحة وسعادة الآخرين، أدعوهم إلى التأمل الدقيق والتفكير الموضوعي في هذه الحقيقة الوجودية العظيمة. إنها دعوة مخلصة موضوعية إلى الله جل جلاله، وإلى طريق سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة.

أكتفي بهذا المقدار، وأستغفر الله الكريم لي ولكم
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.